الحراك الشعبي وتحريك المياه الراكدة
بقلم : د.عبد الله أبو العطا - غزة
لقد استحق شعبنا الفلسطيني على مدار سنوات نضاله وصراعه الطويل مع الاحتلال الإسرائيلي ومن قبله البريطاني بجدارة لقب أبو الثورات والهبات والانتفاضات الشعبية منذ عشرينات القرن الماضي مرورا بثورات عام 29 و36 ومظاهراته العارمة ضد التوطين وكامب ديفيد وروابط القرى إلى أن جاءت انتفاضة الحجارة عام 87 التي جعلت كلمة انتفاضة على كل لسان ودخلت كل قواميس العالم ثم تلاها انتفاضة عام 2000 , وقد دفع شعبنا خلال هذه الثورات القوافل العديدة من الشهداء والجرحى والمعتقلين على طريق الحرية والاستقلال .
وليس مستغرباً او عيباً ان يستلهم شعبنا دروس الثورات العربية الماثلة أمامه في كل من مصر و تونس وغيرها ولكن من الإنصاف القول أن شعبنا الذي قدم العديد من النماذج والدروس التي استلهمتها شعوب المنطقة والعالم واستفادت منها هو من أكثر شعوب الأرض قاطبة حاجةً لهذا الحراك الآن, فلدينا الاحتلال أولا ومعركتنا الطويلة معه لم تنته بعد , عدا عن الانقسام وما خلفه من تداعيات وممارسات تحتاج إلى ثورات وثورات لمعالجتها ومحو أثارها وليس اقلها وأد الديمقراطية وقمع الحريات وانتشار الفساد بإشكال مختلفة .
إن ما جرى يوم 15 أيار كان رفضاً شعبياً واضحاً وصريحاً لهذا الانقسام ومن المؤسف أن يتم قمعه بهذه الطريقة , فملاحقة وتهديد النشطاء أمر لن يفيد ولن يصمد طويلاً أمام هذا الحراك الشعبي المتنامي خاصةً وانه يحمل رسالة ذات مضامين وطنية رائعة وكان سلمياً ومنضبطاً يرفع علماً واحداً وشعاراً وحيداً يقول "الشعب يريد إنهاء الانقسام".
ومما لاشك فيه انه لا يجوز لأحد أن يمنع كلاً من حركتي فتح وحماس من المشاركة في هذا الحراك بوصفهما من المكونات الرئيسية للمجتمع الفلسطيني ونسيجه الاجتماعي والشعبي , لكن ليس من حق احد ان يملي رؤيته ويحرف هذا الحراك عن أهدافه الوطنية النبيلة بوصفه حزباً للسلطة سواء كان ذلك في غزة أو رام الله وبوصفه أيضا احد طرفي معادلة الانقسام الذين توجه لهم هذه الرسائل والمطالب ,
لذا كان من غير المنطقي والمقبول رفع الشعارات والرايات الحزبية بهدف احتواء وتمييع هذا الحراك وربما خلق الاستفزاز والصدام بين المحتجين المنادين بإنهاء هذا الانقسام الذي طال أمده وادمي القلوب وترك جرحا نازفا وغائرا في الجسد الفلسطيني وساهم في تفتيت نسيجه الاجتماعي وشوه صورة نضاله الوطني أمام العالم الذي أصبح هو الآخر منقسماً حولنا وأعاد قضيتنا سنوات إلي الوراء بحيث أصبحت إسرائيل هي المستفيد الأكبر من الانقسام وتعيش في أفضل أيامها وفي حالة استرخاء تام حيث تسعى لابتزاز كافة الأطراف على الساحة الفلسطينية وأفشلت المفاوضات مع السلطة الفلسطينية برفضها وقف الاستيطان الذي زادت وتيرته متسلحةً بالفيتو الأمريكي الأخير ولازالت تواصل حصارها لقطاع غزة وتكثف من خروقاتها المتكررة للتهدئة التي أعقبت العدوان الأخير على قطاع غزة .
لقد حرك هذا الحراك المياه الراكدة وفتح الآفاق من جديد لإمكانية تحقيق مصالحة حقيقية طالما عجزت القوى مجتمعة ومنفردة عن تحريكه رغم الحوارات المضنية و اللقاءات الكثيرة التي جرت في القاهرة ودمشق وغزة ورام الله وغيرها ,حيث جاءت مبادرة الرئيس أبو مازن باستعداده للقدوم إلى غزة لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة فورا وترحيب الأخ إسماعيل هنية بالزيارة حيث كان قد ابدي استعداده من قبل للقاء الرئيس أبو مازن في أي مكان .
بقي أن نقول انه لاحت في الأفق لحظة تاريخية فاصلة في حياة شعبنا وقضيتنا ويجب الإسراع في التقاطها قبل أن تضيع و قبل فوات الأوان وعلى الجميع خاصةً الأخوة في حركتي فتح و حماس تهيئة الأجواء المناسبة لإنجاح هذه الزيارة وهذا الحدث التاريخي والتحلل من الهواجس والعقد والخوف من هذا الاستحقاق الشعبي بامتياز الذي يسجل لثورة الشباب الفلسطيني , وقطع الطريق على كل الأصوات النشاز والمرتجفين من هذه المصالحة من أصحاب النفوذ والمصالح الذين حققوا الكثير من الامتيازات على حساب شعبنا وهمومه ومعاناته وهم بالطبع سيسعون بكل الطرق والسبل إلي توتير وتسميم الأجواء وهم أن نجحوا في ذلك يكونوا قد قطعوا الطريق على هذه المصالحة التاريخية المنتظرة وبذلك يكونوا قد قدموا هديةً كبرى ومجانية لإسرائيل الساعية لإفشال هذه الجهود .
المصدر
- مقال:الحراك الشعبي وتحريك المياه الراكدةالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات