الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة والإخوان
مقدمة
تحولات وتغييرات تجري على أرض الواقع، وصراع أيديولوجيات وبسط نفوذ ولهث عظيم لنيل رضى الصهاينة من حكامنا العرب (خاصة الإمارات والسعودية والبحرين ومصر) وحكام المسلمين عامة، في مخالفة صريحة لتوجه ورغبة شعوبهم، ووصل بهم الحال بالعداء لكل ما يمت للإسلام بصله.
يتحرك بعض هؤلاء الحكام من قناعة وأيديولوجية راسخة وليس كمصالح فحسب لتوثيق عرى العلاقة بينهم وبين الصهاينة المحتلين وعلى رأسهم النظام الحاكم في الإمارات، (والذي حاول استغلال كل موارده المالية في الإضرار بمصالح أشقاءه العرب بل والمسلمين وتشويه صورة الإسلام عن عمد في المحافل الدولية والإعلام الغربي بل وبث روح الفرقة بين المسلمين وذلك من أجل الدولة الصهيونية في وضع لا يخفى على أحد، حتى أصبح كثير من الإماراتيين أنفسهم يخجلون مما يفعله نظامهم الحاكم المتسلط بقوة المال والسلاح والكل يشهد ذلك).
تعمد الأنظمة العربية المتحالفة مع الصهاينة- تحالف أكثر من تحالف الصهاينة مع بعضهم البعض (كالإمارات والسعودية ومصر والبحرين) - إلى تشوية صورة الحركة الإسلامية بكل ما أوتيت من طاقة ووالإيعاز لآذرعها الإعلامية بترصد كل خطأ للحركات الإسلامية واتهامها وافسلام معا بالباطل من أجل تحقيق أجندتها التي ارتسمتها مع الصهاينة وذلك من أجل نيل الحظوة عند الأمريكان والصهاينة فيظلوا على عروشهم.
وتستمر خيانة الأنظمة
اندلعت الحرب الأخيرة بين الصهاينة والفلسطينيين في 6 مايو 2021م والتي بدأتها – لأول مرة – فصائل المقاومة الفلسطينية والتي عرت فيها الكيان الصهيوني وجيشه تسببت له في خسائر مادية وسياسية واجتماعية كبيرة، أزعجت وأخافت الأنظمة العربية المتصهينة كالإمارات والسعودية
- حيث عمدا إلى تشويه المقاومة وأطلقت العنان لأذرعها الإعلامية في ذلك، وأظهرت مدى العطف والحزن على ما حل بالدولة الصهيونية الغاصبة ونهاية صديقهم المقرب نتنياهو، حتى أن صحيفة عكاظ السعودية كتبت في صدر عددها الصادر يوم الإثنين 31 مايو - أيار 2021، تقريرًا يهاجم المقاومة الفلسطينية مرفقاً بصورة معنونة بعبارة "غسل أدمغة أطفال غزة" (1)
حيث صرح الكاتب الفلسطيني حول هذا الاسفاف بقوله:
- (التقرير الذي نشرته الصحيفة تحت عنون فرعي "حماس".. و"الجهاد" .. بنوك للهبات الإيرانية، وأخر رئيسي الاقتيات على سلاح الملالي .. خيارات الحرب.. وحسابات الحقل والبيدر، يكشف وجهًا آخر للعجز والهزيمة السعودية) (2)
حيث أبدى الصحفي الإسرائيلي في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيليّة (كان 11)،روعي كايس، إعجابه بهجوم الصحيفة السعودية على المقاومة في غزة.
مما دفع الفلسطينيين للرد عليها وتقزيم حجم هذه الصحيفة التي كان يقتاد نظامها على الراتب البريطاني في بداية نشأته، وأنها قالت ما لم يقله الاحتلال عن المقاومة
حيث كتب الدكتور حذيفة عبدالله عزام:
- (احتفاء الحاضنة الشعبية بحاميتها غسل أدمغة عند عكاظ !!! عكاظ التي لا يعرف القائمون عليها نخوة ومروءة الجاهلية الأولى !!! فكيف لهم أن يعرفوا حق المسلم على المسلم ؟!!! أو أن يفهموا ما توجبه أخوة الإسلام ؟!!! وقف يهود أوروبا ونصاراها مع قضايانا العادلة وتخندق هؤلاء في خندق العدو).
وقال براء نزار ريان:
سلاح الشائعات والتشوية
تعتمد الأنظمة العربية المتصهينة على تشوية الحركة الإسلامية ورميها بكل نقيصة في محاولة لصرف النظر على جرائمها ضد شعوبها وبقية الشعوب الإسلامية، مرتكزه على مبدأ (رَمَتْني بِدَائِهَا وانْسَلّتْ).
وبعد الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الفلسطينية على الدولة الصهيونية والذي أفقد الأنظمة العربية في الإمارات والسعودية وغيرها صوابها، فأظهرت نفاقها وحقدها على الحركات الإسلامية والمقاومة، حتى وصل بها الحال إلى ربط عباس منصور وشيعته (ما يسمى بالحركة الإسلامية في الجنوب)
والتي قبلت التعاون التام مع الكيان الصهيوني والانزواء تحت لواءه في الأراضي المحتلة لربطها بجماعة الإخوان المسلمين، وأن الإخوان قد تحالف مع الإسرائيليين في الأرض المحتلة، ولنلقي نظرة على ما كتبه أعلام هذه الدول المتصهينة لنرى مدى حقدهم ومحاربتهم لكل ما هو إسلامي.
كتبت صحيفة عكاظ السعودية يوم السبت 5 يونيو 2021م تحت عنوان (التحالف الإخواني - الإسرائيلي يفضح "جماعة الإرهاب"). وذكرت العربية السعودية السبت 5 يونيو 2021 تحت عنوان (منصور عباس ليس الأول.. بالتفاصيل نكشف تاريخ تحالفات الإخوان وإسرائيل).
وكتب العين الإمارتية الجمعة 4 يونيو 2021 تحت عنوان (الإخوان وفصام التطبيع مع إسرائيل.. منصور عباس نموذجا). ولم تكن المرة الوحيدة التي يبث العين الإماراتية سمومها كالمعتاد لكنها كتب يوم 28 مارس 2021 تحت عنوان (منصور عباس.. من "منشق" عن الإخوان إلى "منقذ" في إسرائيل).
وعلى نغمة هذه الصحف انساقت أيضا صحيفة فيتو المصرية المدعومة من أجهزة ونظام السيسي بمصر، حيث كتبت يوم الجمعة 4 يونيو 2021 تحت عنوان (الإخوان في الكنيست.. موجة غضب كبيرة بسبب منصور عباس).
وأيضا موقع المشهد العربي (الموالى للنظام السعودي والإماراتي على حساب وطنه) أردف تصريحا لرجل الأعمال السعودي (منذر آل الشيخ مبارك) – والمعروف بتصريحاته المثيرة وكرهه للدول المعادية لاسرائيل يوم الجمعة 4 يونيو 2021، قال فيه: (منصور عباس كشف زيف شعارات الإخوان).
وكتب الصحفي مجدي حلمي (مدير تحرير جريدة الوفد) في الوفد يوم 4 يونيو 2021، تحت عنوان (منصور عباس.. نموذج لانتهازية الإخوان). وذكرت صدى البلد يوم الجمعة 4 يونيو 2021م، تحت عنوان (تحالف الشيطان.. اليمين المتطرف والإخوان يشكلون حكومة إسرائيل الجديدة.. تحذيرات من خطورة الائتلاف القادم).
وكتب أخبار اليوم المصرية يوم الأحد 6 يونيو 2021، تحت عنوان (كيف أصبح "الإخوان" جزءًا من الحكومة الإسرائيلية الجديدة؟). هذه عناوين غيض من فيض للصحف والإعلامي الإماراتي والسعودي والمصري والموالين لهم، والعجيب في الأمر أنهم كلهم تحدثوا بعناوين مشابهة في وقت واحد، في الوقت الذي لم نر أى أعلام أخر تناول الموضوع بهذه الصورة، وكأنها خرجت من (جهاز سامسونج) واحد.
تطور القضية الفلسطينية
منذ أن وطأ الإستعمار الأراضي العربية والإسلامية وهو يخطط ويرتب لتمكين الصهاينة المتشرزمين في دول العالم بجمع شتاتهم في وطن قومي لهم، حيث استقر رأيهم بعد مباحثات داخلية على أرض فلسطين لما تميزت به تاريخيا وجغرافية واقتصاديا، ولذا بدأوا بمساومة الخليفة عبدالحميد الثاني والذي رفض التفريط في أي شبر من أرض فلسطين وبقية الأراضي الإسلامية. سعت الحركة الصهيونية إلى التعاون مع الدول الإستعمارية التي غزت وسيطرة على معظم الأراضي الإسلامية بالتعاون مع بعض خونة العرب في الجزيرة العربية وغيرها كالشريف حسين.
فتحت بريطانيا (الدولة العظمى) ذرعها للصهاينة حول العالم ووضع خطة لتمكين اليهود من أرض فلسطين، فكان وعد بلفور 1917م والذي أعقبه فتح الباب أمام الهجرات الصهيونية، بل ومشاركتهم بجوار بريطانيا في الحرب العالمية الثانية لتدريبهم على القتال، ثم كان قرار تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة عام 1947، ثم حدث أن أعلنت بريطانيا انسحاب قوتها في 15 مايو 1948م من فلسطين وتركها لمن تكون له الغلبة
حيث سارع الصهاينة وحركاتهم الإرهابية كحركتي أرجون والهاجاناه، بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية، مما حرك بعض الأنظمة العربية وجيوشها إلا أن حركتهم كانت وبال على فلسطين وأداة لتمكين الصهاينة من الأرض، حيث لم تعرض هذه الجيوش لخيانة الأنظمة العربية، بل ونكلت بالحركات الإسلامية (كالإخوان وغيرهم) فاعتقلت مجاهدوهم ومنعوا عنهم السلاح فكانت النكبة، بل وحصار الجيش المصري في الفالوجا. (4)
من هي حركة الجنوب وحركة الشمال؟
منذ ذلك التاريخ وسعت الحركات الإرهابية الصهيونية على قتل وتهجير السكان الفلسطينيين والسيطرة على مدنهم وأراضيهم وبيوتهم وأموالهم، غير أن البعض ظل داخل الأراضي المحتلة والتي زادت رقعتها بعد حربي العدوان الثلاثي على مصر ثم نكسة عام 1967م والتي ضاعت معها معظم أراضي فلسطين حتى الضفة الغربية وغزة.
ظل الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي ما بين مقاومة المحتل وما بين الإندماج في مؤسساته (خاصة مع تبدل الأجيال) إلا أن القضية الفلسطينية كانت الحاضرة في أجندات فلسطيني الداخل.
لم تختلف رؤية الحركة الإسلامية بالداخل عن رؤية المجتمع الفلسطيني بداخل الأرض المحتلة، إلا أنه مع مرور الوقت وانسياق الأنظمة العربية خلف الكيان الصهيوني، وكثرة اغتيالات رجالات المقاومة، انقسمت الحركة الإسلامية إلى قسمين (قسم الشمال وهو معادي لإسرائيل حتى أنها صنفت كجماعة محظورة، وقسم الجنوب والذي أصبح أحد الأركان الداعمة للكيان الصهويني وعمل على شرعنة هذا الاحتلال).
تأثرت الحركة الإسلامية بالداخل بفكر الإخوان المسلمين، وأصبحت متوافقه مع هذا الفكر في قضايا كثيرة، إلا أنها لم تكن في يوما ما تابعة لجماعة الإخوان المسلمين سواء تنظيميا أو فكريا، غير أنها توافقت على بعض المفاهيم والأفكار الإسلامية والدعوية التي تبنتها جماعة الإخوان المسلمين سواء في مصر أو فلسطين.
يقول إبراهيم الخطيب:
- "كان تأسيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني حدثاً مؤسساً ومهماً في تاريخ الفلسطينيين في الداخل، فقد جاء ذلك بعد سنوات كانت فيه السيطرة للحزب الشيوعي الإسرائيلي وتواجد محدود لحركة أبناء البلد. تأثر ميلاد الحركة الإسلامية بعاملين مهمّين هما التواصل بين فلسطينيّي الداخل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية بعد نكسة عام 1967 وخصوصاً مع الشيوخ والعلماء
- وكان ذلك من خلال دارسي الشريعة هناك، وكان من بينهم الشيخ رائد صلاح، والشيخ هاشم عبد الرحمن، ومن بعدهم الشيخ كمال خطيب وآخرون. كما أن ظهور الحركة الإسلامية أخذ حافزاً فكرياً من جماعة الإخوان المسلمين، وعملياً من نجاح الثورة الإسلامية في إيران" (5)
لقد جاءت نشأت الحركة الإسلامية في الداخل ردا على معاناة فلسطينيو 48 على مدار عقود ماضية من نير الاحتلال الإسرائيلي ومحاولاته المستمرة لسلخهم عن جوهر القضية الفلسطينية، دون أن يعني ذلك دمجهم في مجتمعه الجديد الذي أسّسه على قاعدة "النقاء النوعي اليهودي"، فكانت الحركة بمثابة حائط صد أمام هذه المحاولات المستمرة لسلخ الفلسطينيين عن قضيتهم.
وأصبح أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل "مواطنين" إسرائيليين وأصواتاً انتخابية تُرجِّح كفة هذا الحزب الإسرائيلي أو ذاك. ظهرت نواة الحركة الإسلامية في إسرائيل على يد الشيخ "عبد الله نمر درويش" عام 1971، بمنطقة المثلث تمتد من مدينتي كفر قاسم وأم الفحم على الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية وتكوَّن أعضاؤها من العرب المسلمين.
(وعلى الرغم من عدم وجود أي علاقة مباشرة بين الحركة وبين جماعة "الإخوان المسلمين"، فإن المبادئ تكاد تكون متطابقة أو متشابهة إلى حد كبير بين الجماعتين. فاهتمت الحركة بإنشاء البنية التحتية المتمثلة في المعاهد الدينية والمؤسسات والنوادي والعيادات الطبية ورياض الأطفال وغيرها).
هذه المنشآت أصبحت مراكز دعوة إلى الدين وغرس تعاليمه في نفوس الشباب العرب منذ نعومة أظافرهم، فنشأ جيل من الشباب المُلتزم تجاه الحركة الإسلامية الذي يرى أن حل القضية الفلسطينية يرتبط بمبدأ الحركة "الإسلام هو الحل". وقد عبر أحد كبار الحركة، وهو الشيخ عاطف الخطيب، عن ذلك بقوله: إن الحركة الإسلامية تؤمن بأفضلية الحل الإسلامي للقضية الفلسطينية، عن طريق إقامة حكومة إسلامية على أرض فلسطين ينعم تحت حكمها – المرتكز على شريعة الله – اليهود والنصارى والمسلمون.
وقد تضافرت عدة عوامل أدت إلى تصاعد التيار الإسلامي لدى عرب 48، من أهمها:
- حرب 1967 التي أدت إلى فقدان الثقة بالأنظمة السياسية العربية القائمة.
- استئناف الاتصال المباشر بالفلسطينيين وعلماء الدين في الضفة الغربية وقطاع غزة إثر حرب 1967، بشكل أوجد حوافز مُنشِّطة للعودة إلى الدين، وساعد على هذا نشاط الحركات الإسلامية في الضفة والقطاع، مثل حركات: الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي والجهاد.
- توجه عدد كبير من الشباب العربي إلى الدراسة في الكليات الإسلامية في الضفة الغربية، مثل كلية الشريعة في الخليل، والمعهد الديني في نابلس، الذي تخرج فيه الشيخ عبد الله نمر درويش والذي يعد أحد أقطاب الحركة الإسلامية في أوائل عهدها.
- قيام الثورة الإسلامية في إيران، وتجسيدها – بالنسبة للبعض – لفكرة إقامة الدولة الإسلامية.
وعلى غرار باقي التنظيمات الإسلامية عزَّزت الثورة الإيرانية التي اندلعت في العام 1979 حماسة مؤسسي الحركة وعلى رأسهم عبد الله نمر درويش ورائد صلاح وفريد أبو مخ، وتم تشكيل ما يُسمى بـ "أسرة الجهاد" خلال ذلك العام، فكانت منظمة سرية شبه عسكرية، تشكَّلت من مجموعة من الشبان من تيار سُمي "التائبين" بقيادة فريد أبو مخ من مدينة باقة الغربية، دعوا إلى تحرير فلسطين بالجهاد المسلح، بما في ذلك الحرب الاقتصادية، ونُسبت لهم عمليات إحراق ممتلكات يهودية.
واجه عناصر وقيادات أسرة الجهاد حملة اعتقالات واسعة من قبل سلطات الاحتلال عام 1981، ومن بينهم درويش وأبو مخ، قبل أن يجري الإفراج عنهم تباعًا بين عامي 1984 و1985، ليعيدوا تنظيم صفوفهم مجدداً، ويجرى التحول إلى حركة منظمة تحت اسم "الحركة الإسلامية" (6)
كان للاعتقالات الكثيرة والمطاردة والاضطهاد عاملا قويا في اهتمام الحركة الإسلامية بالعمل السياسي والدعوي المدني. وبناءً على ذلك، اتسمت مرحلة الثمانينات بدخول الحركة الإسلامية للحيز الشعبي العام برسالة دعوية داعية الناس للقرب من الدين والامتثال للفرائض الدينية، كما وتطور عملها ليغطي أعمالاً خيرية وتطوعية كان لها الأثر على الصالح العام.
وفي عام 1989 شاركت الحركة الإسلامية في الانتخابات للمجالس المحلية في بعض التجمعات العربية بإسرائيل وحصلت على رئاسة المجالس في 5 تجمعات : أم الفحم ، رهط ، كفرقاسم ،جلجولية ، كفربرا ، ونجحت في إدخال أعضاء إلى بعض المجالس في تجمعات أخرى ، مثل الناصرة وكفركنا. (7) وهو الوقت الذي ظهرت فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس كممثل لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، والتي قادت الانتفاضة الفلسطينية.
وحينما جرت انتخابات عام 1993م استحوذت الحركة الإسلامية على عدد مناسب من المقاعد المحلية وعلى خمس رؤساء مدن، وبالمثل في انتخابات 1998م. ورفضت الحركة الإسلامية في بدايتها بالمشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي.
شكّلت مرحلة أوسلو وما بعدها نقطة تحوّل أخرى في مسيرة الحركة الإسلامية مع وجود عدد من المؤيدين لأوسلو في صفوف الفلسطينيين في الداخل وعدد آخر معارض، لتنقسم الحركة الإسلامية على إثرها في قضية دخول البرلمان الإسرائيلي – الكنيست - مع موافقة شق يقوده الشيخ عبد الله نمر درويش، وآخر يعارض ذلك جملة وتفصيلاً قاده الشيخ رائد صلاح ليسمى الشق الأول للحركة الإسلامية بالجنوبي والآخر بالشمال. (8)
مثل تيار الجنوب عبدالله نمر درويش وهو تيار براغماتي عمل على التعايش مع الواقع والتقارب مع السلطات الإسرائيلية وعدم الصدام معها، ولذا دفع نحو المشاركة في انتخابات الكنيست عن طريق قائمة عربية موحدة، وقد دعم هذا التيار عملية السلام واتفاقية أوسلو وله علاقة جيدة بالسلطة الفلسطينية، ويقبل بإقامة دولة فلسطينية بجوار دولة يهودية، وتزعمه الشيخ نمر درويش وتوفيق الخطيب وعبدالمالك دهامشة وغيرهم.
أما تيار الجنوب فأقام علاقات قوية مع الحركات الإسلامية في قطاع غزة والضفة الغربية ورفض المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، إلا انه لم يصطدم بالسلطات الاسرائيلية (في البداية) نظير تسهيلها مهمته في المحليات لخدمة العرب، ومن أبرز قادته رائد صلاح وكمال الخطيب. (9)
منذ تلك اللحظة الفارقة انقسمت جغرافيا الحركة الإسلامية التنظيمية في الداخل بين خطين متوازيين؛ خط قاده عبد الله نمر درويش، ثم إبراهيم صرصور، ويتركز في المثلث الجنوبي والنقب وبعض المدن والبلدات، وهو الخط الذي اشتهر إعلامياً باسم "الحركة الإسلامية الجنوبية".
وخط يقوده رائد صلاح وكمال الخطيب، ويتركز في المثلث الشمالي والجليل وبعض المدن والبلدات، وهو الخط الذي اشتهر إعلامياً باسم الحركة الإسلامية الشمالية، وكان مُعارضاً للمشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، لأنه يعتبر هذا – بشكل غير مباشر – "اعترافاً بالدولة"، والتي بنظره يجب تغييرها بدولة فلسطينية تتبنى الشريعة الإسلامية. (10)
في 5 سبتمبر 1999 وقع حادثَا تفجير في مدينتي طبريا وحيفا؛ حيث انفجرت سيارتان مفخختان قيل كان يقودهما أشخاص من سكان قريتي دبورية والمشهد في الجليل الأعلى، اتهمتهم الشرطة الإسرائيلية بالانتماء للجناح الشمالي من الحركة الإسلامية (بزعامة الشيخ رائد صلاح)، ومنذ ذلك الحين بدأت موجة من الخطوات التصعيدية ضد الجناح الشمالي من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية
كغلق صحيفة "صوت الحق والحرية" الناطقة بلسان الجناح الشمالي والتي تأسست عام 1989م، ومنع خروج رائد صلاح وكمال الخطيب، ومنع أعضاء الحركة بالشمال من الخطابة في المساجد واغلاق المؤسسات التربوية والدعوية والخدمية مثل الكلية الإسلامية في أم الفحم.
وفي 17 نوفمبر 2015، حظر مجلس الوزراء الأمني لإسرائيل بقيادة بنيامين نتانياهو بحظر الجناح الشمال، بناءا على الأدلة التي جمعتها الشرطة الإسرائيلية والبوليس السري الإسرئيلي. استناداً إلى قانون الطوارئ الانتدابي (من العام 1945) بذريعة أنها تشكل خطرا على أمنها. القرار شمل حظر نحو 20 مؤسسة تصنفها المؤسسة الإسرائيلية على أنها أذرع وجمعيات للحركة الإسلامية.
قويت شعبية جناح رائد صلاح وتجاوزت حدود عرب الداخل إلى فلسطين كلها لنضاله الشرس الذي أبداه في الدفاع عن مدينة القدس والمسجد الأقصى، ولم تزده اعتقالات ومحاكمات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة إلا شراسة وقوة وتمسكا بالحق الفلسطيني والإسلامي في القدس والأقصى. (11)
الإخوان في فلسطين
تختلف علاقة الإخوان بفلسطين عن علاقتها بباقي الدول، حيث كانت فلسطين محور اهتمام كل الدول بسبب ما كان يحاك لها من مؤامرات سواء بريطانية أو صهيونية أو غربية. حيث اهتم الشيخ حسن البنا بقضية فلسطين وجعلها حجر زواية في دعوته، وجاء اهتمامه بها قبل أن يكون جماعة الإخوان المسلمين بكتاباته عنها في مجلة الفتح.
وبعد تشكل الجماعة اعتنى الإمام البنا بقضية فلسطين ماديا وإعلاميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، حتى أنه أرسل عدد من متطوعي الإخوان للدفاع عنها، ولم يكتف بذلك بل قام بزيارة غزة عام 1947م لدعم أهلها.
كل هذه الجهود التي قام بها الإخوان كانت سببا في انجذاب شعب فلسطين إلى دعوة الإخوان، حيث كانت ثورة القسام ودعم الإخوان لها عاملا قويا في انجذاب بعض الفلسطينيين لهذه الدعوة، ولذا افتتحت بعض الشعب فيها، ومما حصلنا عليه تبين وجود شعب للإخوان في القدس ودير الزور وحيفا قبل عام 1937م.
كان وضع فلسطين غير مستقر ومن ثم كان دعاة الإخوان هناك يتطبعون بالطابع الجهادي ضد محاولات المغتصب الصهيوني، فكانوا دائما في جهاد، ولقد اشترك كثير من الإخوان في جماعات الفتوة المجاهدة. عام 1948م ضاعت فلسطين جراء خيانة الحكام العرب، وضعفت الدعوة في فلسطين غير أنها لم تنقطع وظلت مستمرة رغم العنت الصهيوني بل والمصري تحت حكم التي كانت مشرفة على غزة.
وحينما وجهت ضربة للإخوان عام 1954م بمصر كان لها أثرها على الإخوان في غزة وفلسطين إلا أنها ظلت تعمل رغم ضعفها، حتى عادت وقويت بداية الستينيات رغم اعتقال عدد من قبل السلطات المصرية كهاني بسيسو وعبدالرحمن بارود وغيرهم من كبار الإخوان بفلسطين.
بدأت الجماعة في تنظيم صفوفها مرة أخى وتكون لها هيكل كان على رأسها الشيخ أحمد ياسين وإبراهيم اليازوري ومحمد الغرابلي يمثلون مدينة غزة ومحمود أبو خوصة يمثل جباليا وتوابعها من مناطق شمال قطاع غزة .وعبد الفتاح دخان ممثلا عن المنطقة الوسطي ومحمد عايش النجار ممثلا عن خان يونس ومحمود محسن ممثلا عن رفح .
وانتخب عبد الفتاح خان رئيسا للهيئة الإدارية لكنه تنازل عن هذه المهمة للأستاذ أحمد ياسين معللا ذلك لأن المسئول يجب أن يون من منطق غزة فهي مركز القطاع إضافة إلى أن الأستاذ أحمد ياسين تتوفر فيه صفات القيادة وأصبح الأستاذ عبد الفتاح دخان نائبا للرئيس بشكل تلقائي، ثم انضم إليهم أسماء أخرى وذلك عام 1967م. (12)
استمرت مسيرة الإخوان بفلسطين حيث حملت الراية بعد ذلك حركة المقاومة الإسلامية حماس وأصبحت تمثل الإخوان في فلسطين.
الحركة الإسلامية بإسرائيل ليست إخوان مسلمين
نعود إلى الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر والتي تمثلت في القسم الشمالي ويرأسه رائد صلاح وكمال الخطيب والرافض لسياسة الصهاينة أو الاعتداء على المسجد الأقصى أو المشاركة في الحكومة الصهيونية أو الكنيست الصهيوني مما وضعها تحت مقصلة الحظر.
وقسمم الجنوب الذي يرأسه حاليا حماد أبو دعابس ونائبه منصور عباس والذي قبل ما جاء في اتفاقيات أوسلو ويرى التعاون مع السلطات الإسرائيلية والمشاركة معها في الحكومة ودخول الكنيست الإسرائيلي. والسؤال الذي يطرح نفسه (خاصة مع استمرار النظام الإماراتي والسعودي والمصري وأذرعتهم الإعلامية في تشويه الحقائق) هل عباس منصور وحركته لها ارتباط بالإخوان ؟؟؟؟؟ السؤال لا وألف لا.
فلا المنهج الفكري الذي تتبناه الحركة الإسلامية في الجنوب ولا الخط العملي تجاه القضية الفلسطينية أو معاداة الصهاينة يمثل فكر الإخوان لا من قريب ولا من بعيد سواء قديما أو حديثا. حتى أن القسم الشمالي (رغم التزامه بالمنهج الإسلامي ومعاداة الصهاينة وعدم التعاون معهم) إلا انهم أيضا لا يمتون للإخوان المسلمين بصلة وكل ما يجمعهم العمل للإسلام ولقضية فلسطين والمسجد الأقصى والتعاون في التصدي للصهاينة والعمل على تحرير الأرض الفلسطينية؟
لكن تاريخيا الحركة حينما تشكلت عام 1971م على يد الشيخ نمر درويش تأثر بفكر الإخوان المسلمين ومنهجهم وطريقة فهمهم الواسع والوسطي للعمل للإسلام وتقديمهم لجهاد المغتصب، وهو ما رأه مناسبا لحركته إلا أنه لم ينضم يوما لصفوف الإخوان المسلمين بفلسطين.
حيث يقول موقع مسبار الأردني (وهو موقع متخصص في كشف الحقائق):
- تحقّق "مسبار" من الادعاء المتداول ووجده مضللاً، إذ تبين أنّ منصور عباس ليس زعيم جماعة الإخوان المسلمين في "إسرائيل" وليس إخوانيًّا كما هو متداول، بل هو نائب رئيس الحركة الإسلاميّة (الشق الجنوبي).
وأن الحركة تبنت توجهًا مشابهًا لها من حيث الإيمان بأنّ الإسلام هو الحل والسعي إلى إقامة دولة إسلامية على كامل أرض فلسطين تحكمها الشريعة الإسلامية، واهتمت بالتأطير الديني والتربوي، والعمل الاجتماعي من خلال جمعيات ومؤسسات يحكمها قانون الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد اعتقاله عام 1981م أعاد التفكير في منهجه بعد خروجه عام 1984م حيث تراجع عن مواقفه، بسبب اقتناعه بقوة التثقيف والإرشاد والتعليم كطريقة لنشر الدعوة وتطبيق الشريعة الإسلامية، ووجوب نبذ "العنف" كوسيلة للوصول إلى هذا الهدف.
بل عارض درويش بعد خروجه من السجن، علانية المقاومة المسلحة، بل ذهب إلى التأكيد أنّها كانت "غلطة شباب"، وأكد ضرورة احترام القانون الإسرائيلي. (13)
وكتب أخر:
- (ليست للحركة علاقة مباشرة بحركة الإخوان المسلمين، ولكن المبادئ التي تتبعها تشابه مبادئ الإخوان المسلمين).
وكتب منى عوض:
- (وعلى الرغم من عدم وجود أي علاقة مباشرة بين الحركة وبين جماعة "الإخوان المسلمين"، فإن المبادئ تكاد تكون متطابقة أو متشابهة إلى حد كبير بين الجماعتين).
وكتب وهيب أبو واصل في مونت كارلو الدولية:
- (وهذا ما حدث مع الشيخ درويش الذي تحول بعد تخرجه الى واعظ في المساجد يستوحي أفكار مواعظه في الغالب من فكر الاخوان المسلمين، ومن مفكرين مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والشيخ عمر التلمساني. وبدأ نشر كتيبات تحمل أفكاره ويوزعها على أهالي القرى العربية وراح يدعو في خطبه وأحاديثه الى العودة الى الإسلام باعتباره "عقيدة وشريعة ونظام حياة") (14)
وكتب أخر:
- (في مرحلة تأسيسها الأولى تشكَّلت نواة الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل من مجموعات شبابية عفوية، غلب التدين الفطري في بداية سبعينيات القرن الماضي... وأنه ليس هناك أي علاقة مباشرة بين الحركة الإسلامية في الداخل وبين جماعة "الإخوان المسلمين"، غير أن المبادئ تكاد تكون متطابقة أو متشابهة إلى حد كبير بين الجماعتين).
وبعيدا عن مهاترات الإعلام الموجهة من دولة الإمارات والسعودية يأتي تصريح النائب مسعود غنايم من الجناح الجنوبي حول موضوع ارتباط الحركة الإسلامية في إسرائيل بالإخوان فيقول غنايم إن "الحركة الإسلامية ليست الإخوان في فلسطين بل هي تأثرت من جماعة الإخوان امتداد المسلمين في مصر في أبياتها الفكرية والدينية" (15)
نفي إخواني
ولقد أصدرت جماعة الإخوان المسلمين تصريح تؤكد فيه عدم صلة الحركة الإسلامية بإسرائيل بجماعة الإخوان المسلمين خاصة قطاع الجنوب الذي يمثله عباس منصور حيث جاء في بيان الجماعة:
إنصافاً للحقيقة
بعد أن هدأت المعارك على الأرض المباركة، ونجحت محاولة الأحزاب السياسية الصهيونية في تشكيل تجمع يسقطون به (نتنياهو) الذي قاد العدوان الأخير على الشعب الفلسطيني، برز إسم السيد منصور عباس الذي شارك فى انتخابات الكنيست الأخيرة وحصل فيها على أربعة مقاعد تحت إسم (الحركة الإسلامية) ، ومنذ ذلك الحين تعمل بعض وسائل الإعلام على نسبة تلك "الحركة " إلى جماعة "الإخوان المسلمون" .
وجماعة الإخوان تؤكد عدم وجود أي صلة فكرية أو تنظيمية لها مع هذه "الحركة" (16)
أخيرا
تقول:
- تختلف الحركة الإسلامية عن جميع الحركات والأحزاب التي نتجت سابقا في إسرائيل بأنها المنظمة الوحيدة من جهة كونها ذات مشروع إسلامي، وكانت جميع الحركات السابقة علمانية، ماركسية أو قومية عربية أو خليطا من الاثنين.
- ولكن التدين ليس بالضرورة العامل الوحيد أو الحقيقي وراء نشوء الإسلام السياسي في إسرائيل. وقد كتب العديد حول أسباب نشوء الحركة، فرأى البعض أنها جزء من نمو الإسلام السياسي في الشرق الأوسط بشكل عام والذي دعا إلى العودة إلى الجذور الإسلامية، وهو ليس ناتجا بالضرورة عن الصراع العربي الفلسطيني. ورأى البعض الآخر أنه نتيجة وفشل القومية 1967 انهيار المشروع الناصري بعد حرب العربية في إيجاد حلول للقضية الفلسطينية .
يعتبر المحلل إسرائيل رفائيل مثلا أن الإسلام السياسي في إسرائيل هو امتداد لصحوة إسلامية عالمية، وفي مكان آخر أنه رد فعل على التهميش السلطوي والعداء تجاه العرب في إسرائيل. بينما يرى بعضهم الآخر (كتال نحما) أن الحركة الإسلامية في إسرائيل- مثلها مثل حركات الإسلام السياسي المعاصر- ناتجة عن عوامل اقتصادية أيضا وفجوات اجتماعية وعدم الثقة بالمؤسسات وأجهزه الحكم. (17)
المراجع
- فهيم الحامد: «حماس».. و«الجهاد».. بنوك للهبات الإيرانية، 2 يونيو 2021
- شدوى الصلاح: هجوم عكاظ على المقاومة يكشف عجز وهزيمة السعودية، 2 يونيو 2021م
- “عكاظ” السعودية قالت ما لم يقله الاحتلال عن المقاومة: 2 يونيو 2021
- حمزة عبر الفاروقي: ضياع فلسطين، دار الحداثة للطباعة والنشر، بيروت، 2003، صـ173.
- إبراهيم الخطيب: إخراج الحركة الإسلامية عن القانون – الدوافع والتداعيات
- منى عوض: الحركة الإسلامية في الداخل بين الكنيست والمقاومة، 4 أبريل 2021
- رؤوفين باز: الحركة الإسلامية في إسرائيل بعد انتخابات المجالس المحلية، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد١، العدد ٢، (ربيع ١٩٩٠م) صـ١٦٧.
- عدنان أبو عامر: الحركة الإسلامية في إسرائيل، مركز المسبار للدراسات والبحوث، طـ1، 2012، صـ27.
- عدنان أبو عامر: مرجع سابق، صـ 28.
- منى عوض: مرجع سابق.
- الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر
- نهاد محمد الشيخ: حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة (1967 - 1987م)، اصدارات مركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني ؛ الاصدار الثالث، 2011م.
- محمد الخالدي: منصور عباس زعيم جماعة الإخوان المسلمين في إسرائيل، 3 يونيو 2021
- وهيب أبو واصل: الحركة الإسلامية في إسرائيل: كيف نشأت وكيف تتعامل مع انتخابات الكنيست؟، 16 فبراير، 2021
- سهير أبو عقصة داود: الحركة الإسلامية في إسرائيل، قضايا إسرائيلية، العدد 69، صـ 120.
- تصريح صحفي لجماعة "الإخوان المسلمون" ينفي أي علاقة بالمدعو منصور عباس: 6 يونيو 2021
- سهير أبو عقصة داود: مقابلة مع النائب مسعود غنايم، 21 نوفمبر 2017