المشروع الإسلامي والمصطلحات المفخخة
قدَّمت دعوة الإخوان المسلمين نفسها، على أنها دعوة بعث وإنقاذ في مواجهة إستعمار غربي، إستهدف العقل والفكر والمعتقد، قبل حكم البلاد والعباد، وظهرت في ملامحها، ملامح الحاضر الذي تعالجه، فلم تكن سياسية محضة أو دعوية صِرفة، كما لم تكن ثقافية نخبوية تُطرب أصحاب الوجاهة، إنما كانت دعوة إنقاذ تتمم جهود تيار الجامعة الإسلامية، وتيار الإحياء والتجديد.
وأبان المشروع الإسلامي عن نفسه، حين أعلن أنه يريد إستئناف مسيرة أمة كانت لعشرة قرون، ذات سيادة كاملة وحضارة متميزة متفردة، وقد حدد الإخوان المسلمون خطوات تحقيق ذلك، بادئين بتربية الفرد وإرشاد المجتمع، ثم تحرير الأمة وتوحيدها، ليصلوا بها إلى مرتبة الأستاذية، كما كانت من قبل.
وقد حاول خصوم المشروع الإسلامي تشويهه والتشويش عليه، فاختزلوه ببعض ما فيه، رغبة ً في تفتيته وتجزئته وصرْف الناس عنه، وما نشأت الحركة الإسلامية حاملة لهذا المشروع، إلا لملء فراغ عجزوا هم عن ملئه.
نشأة الحركة الإسلامية
إرتبطت نشأة الحركة الإسلامية وتطورها، بشراسة الهجمة الغربية الإستعمارية على العالمين العربي والإسلامي من جهة، وضعف المدافعين عن الأمة من جهة أخرى، ومما زاد من عمق الأزمة وضخامة التحدي، الهزيمة النفسية التي أصابت بعض نخبتها وكثيرٌ من جماهيرها..
وكانت معاول الهدم في ثقافة الأمة وحصونها الفكرية والعقدية، قد بدأت في (أواخر القرن الثامن عشر واستمرت لأكثر من قرنين من الزمان فهزت بنيان الأمة الإسلامية وأوشكت على نقض أركانها، فالأمة اليوم في تحد حضاري على درجة من الشدة لم تعهده قبلاً مما أفقدها ثقتها بذاتها وبمناهجها)[١]
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نشطت دعوات الإصلاح، من الشيخ جمال الدين الأفغاني إلى الشيخ محمد عبده ثم الشيخ رشيد رضا، لكن بقيت تلك الجهود دون المستوى في التعامل مع الهجمة الإستعمارية على الأمة.
وفى أواخر القرن التاسع عشر تراكمت دوافع ميلاد حركة إسلامية جديدة، كانت تمثل تطوراً واعياً لتيار الإحياء والتجديد، وتمثلت هذه الدوافع في:
- سيطرة إستعمارية غير مسبوقة على العالمين العربي والإسلامي.
- ضعف المؤسسات الدينية التقليدية عن مواجهة هذه المخططات.
- فشل تيار التغريب في مواجهة المخططات الإستعمارية.
فقد سُحقت الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ونشطت الحركات القومية العلمانية في العالم الإسلامي، فتحوَّل الولاء من الإسلام كرابطة جامعة للشعوب العربية والإسلامية، إلى ولاءات قطرية وقومية.
كما عجز المؤسسات الدينية التقليدية في الدفاع عن حياض الأمة وثغورها، وكذلك عجز التيار العلماني في الوفاء بواجبات الكفاح لأجل النهوض والإستقلال..
في هذا الجو نشأ الإخوان المسلمون كحركة إسلامية حاملة لمشروع إسلامي..
يقول المفكر الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي: " تُعدّ حركة الإخوان المسلمين أكبر وأقدم الحركات الإسلامية وأعظمها أثرا في الإسلام المعاصر فكرا ومجتمعاً، ولقد ارتبط ظهورُها بلحظة بالغة الأهمية في تاريخ الإسلام وهي لحظةُ سقوط آخر صورة للخلافة الإسلامية الجامعة، بما استدعى ظهورَ شكل جديد للإصلاح الإسلامي يتجاوز ما كان معتادا كلما نجم خللٌ أو تصدّع في البناء الإسلامي، فيبادر العلماء إلى إصلاحه عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينهض به غالبا عالم فرد، أمَا وقد انهار البناءُ وزالت قبّة السماء من فوق رؤوس المسلمين بسقوط الخلافة العثمانية، فقد غدت الحاجة إلى عمل تأسيسي، فكان "حسن البنا"، ليعلن عن ولادة (الحركة الإسلامية) مؤكدا أن الإسلام دينٌ ودولة أو هو دينٌ تعضُده الدولة كما قال علامة تونس محمد الطاهر بن عاشور. ونعني بالحركة الإسلامية، العملَ المنظّمَ المؤسّسَ على المرجعية الإسلامية، مستهدفا البناءَ الإسلاميّ الشاملَ باعتبار أن الإسلام دينٌ يؤسس لنظام حياة ولأمة وحضارة ) [٢]
تحدث حسن البنا عن جوهر الصراع، فقال: (كنت متألمًا أشد الألم؛ فهذا أنذا أري الأمة المصرية العزيزة تتأرجح حياتها الاجتماعية بين إسلامها العزيز الغالي، الذي ورثته وحمته وألفته، وعاشت به، واعتز بها أربعة عشر قرنًا كاملة، وبين هذا الغزو الغربي العنيف المسلح المجهز بكل الأسلحة الماضية الفتاكة؛ من المال والجاه، والمظهر والمتعة والقوة، ووسائل الدعاية. وكان ينفَّس عن نفسي بعض الشيء الإفضاء بهذا الشعور إلي كثير من الأصدقاء الخلصاء من زملائنا الطلاب بدار العلوم والأزهر والمعاهد الأخرى)[٣]
ويُقصد بالحركات الإسلامية (تلك الحركات التي تؤمن بشمول الإسلام لكل نواحي الحياة وتتصدى لقيادة ما تراه جهدا لازما لإعادة تأكيده، وبذلك تدعي هذه الحركات لنفسها دور القيادة الأخلاقية للمجتمع، متحدية بذلك القيادات السياسية والدينية التقليدية معا، وهذا دور هيأته لها ظروف النشأة بما أوجدته من فراغ في هذا المجال، وما هيأته الظروف المحيطة من فرص وإمكانات، فلا يكفي أن يطلق المرء دعوى القيادة الأخلاقية أو التحدث باسم الدين لكي يتحقق له ذلك، ولكن ما يحدد فاعلية الدور من عدمه هي الاستجابة التي تلقاها هذه الدعوة، وهي استجابة تعتمد أولا على مصداقية الدعوة والداعي، ولكنها قد تعتمد أيضا على ظروف وملابسات عدة)..
وهى حركة تعتبر (الدين أداة لتحرير الشعوب مثل تحرير اليهود من قبضة فرعون، ووسيلة لجمع القبائل وتأليفها كما في الجزيرة العربية من قبل، فمقولة لا دين في السياسية ولا سياسة في الدين، قول تطلقه الأنظمة السياسية لتفعل ما تشاء طبقا لمصلحة النخبة السياسية دون مراعاة لشريعة أو قانون) [٤]
وعندما عجزت تيارات التغريب عن مجاراة دعوة الإخوان المسلمين في إنجازاتها، عمدت إلى التشويش عليها بتهم باطلة، فمرة تتهمها بأنها (إسلام سياسي) بمعنى أنها تأخذ الدين وسيلة لتحقيق أطماع سياسية، ومرة تفتعل معركة بين هذا (الإسلام السياسي) وإسلام آخر سموه (الإسلام الحضاري)..
المصطلح المفخخ (الإسلام السياسي)
في حوار مع مجلة صوت الشعب، وجه المحرر للإمام حسن البنا سؤالا واضحا حول الفكر الشمولي ومفهوم التنفيذ، فقال: (ألا تعتقدون أن الدين إذا اختلط بالسياسة فسد كلاهما، وأمامنا شواهد التاريخ في الأمم فهي كثيرة؟)
فقال الشيخ البنا: (نحن نعتقد أن الدين الإسلامي جاء بأحكام لا يمكن أن تكون نافذة إلا بالسلطة التنفيذية، وعلى ذلك فالدين في الحقيقة، لا يمكن أن يستغنى عن السياسة، كما أن كل سياسة لا يكون أساسها خوف الله، والتشبع بالمثل العليا، التي جاء بها الدين، تكون سياسة فاشلة، ومعنى هذا أن السياسة لا يمكن أن تستغنى عن الدين، وفي هذه الحدود يجب أن يتعاون الدين والسياسة؛ ولهذا جاء الإسلام يجمع بينهما. أما إذا خضع الدين لأهواء السياسة، أو ادعى الساسة أن تصرفاتهم دينًا تفرض له القداسة، فسد الدين وفسدت السياسة!
ولقد احتاط الإسلام لذلك فاستوعب الجزئيات في الناحية الدينية ولم يترك لأحد فيها قولاً، وحرم في ذلك الزيادة والنقصان، واقتصر في الجزئيات على المعاني الكلية، ووسع على الساسة في أساليب التطبيق حسب تطور الأزمان والحوادث! ومن درس طبيعة الإسلام دراسة دقيقة علم أنه ليس دينًا فقط، ولكنه نظام للحياة الكاملة، يشمل المعاني الدينية، والمعاني السياسية على السواء)[٥]
وأعاد حسن البنا التأكيد على أهمية السلطة التنفيذية لتنفيذ المنهج الإسلامي الذي يؤمنون به، فقال: (مهمة الإخوان المسلمين "تكوين الأمة المسلمة" والاضطلاع بعبء تبليغ دعوة الرسول الأعظم من جديد، والإصلاح الذى ننشده يتناول كل نواحي الحياة في الأمم الإسلامية عامة وفي مصر على الخصوص على النحو الآتي:
الناحية السياسية: نريد الحكومة الإسلامية الصالحة، والأمة العزيزة الحرة في الداخل والخارج.
الناحية الإدارية: نريد الإدارة الصالحة المنتجة التي تؤدى بها الواجبات، وتنهض بها المشروعات، وتصان بها الكرامات، وتنتصر فيها الفضيلة والأخلاق [٦]
فالإسلام الذي نؤمن به جماعة الإخوان المسلمين، هو دينٌ ودولة، لا ينفصل أحدهما الآخر، أو يُختزل فيه.
بينما مصطلح (الإسلام السياسي) يختزل الإسلام كله في أحد جوانبه (السياسة)! وهو مصطلح آتٍ من خارج البيئة الإسلامية، بل من بيئة معادية للإسلام، وأول من طرحه على نطاق واسع كان المستشرق اليهودي برنارد لويس، وذلك في كتابه (اللغة السياسية في الإسلام أو لغة الإسلام السياسي).
يقول أ. فهمي هويدي: (ليس هناك إسلام تقدمي وآخر رجعي، وليس هناك إسلام ثوري وآخر استسلامي، وليس هناك إسلام سياسي وآخر اجتماعي، أو إسلام للسلاطين وآخر للجماهير. هناك إسلام واحد، كتاب واحد، أنزله الله على رسوله، وبلغه رسوله إلى الناس. وبعد البلاغ صارت "الأمانة" في أعناق الناس ومن مسؤولياتهم، فإذا تعددت الاجتهادات يمينا ويسارا، وإذا تراوحت الاجتهادات صعودا وهبوطا، وإذا أحسن البعض فهم الإسلام أو أساء؛ فذلك شأن المسلمين أولاً وأخيراً، وينبغي ألا يحمل بأي حال على الإسلام) [٧]
ويقول د. يوسف القرضاوي: (يريدون أن يعيدوها جذعة، وقد فرغنا منها منذ نصف قرن، حتى وصف بعض هؤلاء العبيد المساكين الإسلام، الذي لم يعرف المسلمون غيره طوال عصوره – قبل عصر الاستعمار- الإسلام، كما عرفه الفقهاء والأصوليون والمفسرون والمحدثون والمتكلمون، من كل المذاهب، والذي شرحوه وفصلوه من كتاب الطهارة إلى كتاب الجهاد، إسلام العقيدة والشريعة، إسلام القرآن والسنة، سماه "الإسلام السياسي"، يريد أن يكره الناس في هذا الإسلام بهذا العنوان، نظرا لكراهية الناس للسياسة في أوطاننا، وما جرت عليهم من كوارث، وما ذاقوا على يديها من ويلات) [٨]
ومفهوم "الإسلام السياسي" أطلقه خصوم الحركات الإسلامية للإيحاء بأنَّ السياسة دخيلة على الإسلام وليست منه، فمن الطبيعي أن تسعى الحركات الإسلامية لأن يكون للإسلام دور في حياة الناس ويستعيد رسالته الحضارية انطلاقاً من الفهم الشمولي الحضاري للإسلام كمنهج حياة ونظام حكم.. مما يعطي المسلمين قوةً في الوعي والإرادة والعمل، تجعلهم يمتلكون زمام أمرهم ومصيرهم.. ويُكسبهم مناعةً ضد القابلية للاستعمار والاستحمار..) [٩]
(لقد أُريد لمصطلح الإسلام السياسي أن يقدم حركات وأحزاب الصحوة الإسلامية للرأي العام على أنها خارجة عن الإسلام، وتشوهه بالخلط بينه وبين السياسة، وذلك لعزلها عن حاضنتها الاجتماعية وتقديمها لقمة سائغة لأنظمة الاستبداد التي يدعمها الغرب للمحافظة على مصالحه وعلى وجود الكيان الصهيوني كقاعدة استعمارية متقدمة له) [١٠]
صراع مفتعل (الإسلام الحضاري)
وكما حاول الخصوم إختزال الإسلام في أحد جوانبه، حاولوا كذلك إفتعال الصراع بين بعض خصائصه.. بين إسلام (سياسي) وآخر (حضاري)!
إرتكز المشروع الإسلامي في بعده الحضاري على ثلاثة ركائز:
أولها (تحرير المرجعية).. يقول الإمام حسن البنا: (الإسلام دين ودولة ما في ذلك شك.. ومعنى هذا التعبير بالقول الواضح أن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية وأحكام اجتماعية وكلت حمايتها ونشرها، والإشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها، وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى الدولة أي إلى الحاكم الذى يرأس جماعة المسلمين ويحكم أمتهم)[١١]
وثانيها (تربية المجتمع وإقامة الدولة).. وبعد بيان المرجعية وتأصيلها، وذلك بتربية الفرد على الإسلام وإرشاد المجتمع إليه، وأخيراً إصلاح الحكومة، وقد وردت تلك المعاني كلها في رسالة التعاليم للشيخ حسن البنا.
وثالثها (إحياء الأمة وصيانة وحدتها).. فإذا تحقق ما سبق، أمكن حينذاك إعادة بناء (الأمة) في وحدة جامعة، يكتمل بها معنى استقلالها وسيادتها، فتصل الأمة حينذاك إلى مرتبة (الأستاذية) قيماً وعطاءً، كأثر لاحقٍ لعطاء وجهاد سابق، وقد فعلت الأمة العربية والإسلامية ذلك من قبل لعشرة قرون..
كتب الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان "الإخوان المسلمون والخلافة": (الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير فى أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام فى دين الله، ولهذا قدم الصحابة رضوان الله عليهم النظر فى شأنها على النظر فى تجهيز النبى صلى الله عليه وسلم ودفنه، حتى فرغوا من تلك المهمة، واطمأنوا إلى إنجازها.. والأحاديث التى وردت فى وجوب نصب الإمام، وبيان أحكام الإمامة وتفصيل ما يتعلق بها، لا تدع مجالاً للشك فى أن من واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير فى أمر خلافتهم منذ حورت عن منهاجها، ثم ألغيت بتاتًا إلى الآن.
والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها فى رأس منهاجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التى لابد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لابد أن تسبقها خطوات:
فلابد من تعاون تام ثقافى واجتماعى واقتصادى بين الشعوب الإسلامية كلها
يلى ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد، وإن المؤتمر البرلمانى الإسلامى لقضية فلسطين، ودعوة وفود الممالك الإسلامية إلى لندن للمناداة بحقوق العرب فى الأرض المباركة لظاهرتان طيبتان، وخطوتان واسعتان فى هذا السبيل
ثم يلى ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا استوثق ذلك للمسلمين كان عنه الاجتماع على (الإمام) الذى هو واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله فى الأرض)[١٢]
وبهذا يلتئم شمل الأمة على الإسلام، حكماً ومعتقداً وحضارةً، يقول حسن البنا: (ونحن نريد أن نفكر تفكيرًا استقلاليًا، يعتمد علي أساس الإسلام الحنيف، لا علي أساس الفكرة التقليدية التي جعلتنا نتقيد بنظريات الغرب واتجاهاته في كل شيء نريد أن نتميز بمقوماتنا ومشخصات حياتنا كأمة عظيمة مجيدة، تجر وراءها أقدم وأفضل ما عرف التاريخ من دلائل ومظاهر الفخار والمجد)، فالأمة تستفيد من غيرها، لكن لا تذوب فيها، فيقول: (لقد اتصلت بغيرها من الأمم، ونقلت كثيرًا من الحضارات، ولكنها تغلبت بقوة إيمانها، ومتانة نظامها عليها جميعًا ؛ فعربتها أو كادت، واستطاعت أن تصبغها، وأن تحملها علي لغتها ودينها بما فيها من روعة وحيوية وجمال، ولم يمنعها أن تأخذ النافع من هذه الحضارات جميعه، من غير أن يؤثر ذلك في وحدتها الاجتماعية أو السياسي) .[١٣]
ومثلما كان مصطلح (الإسلام السياسي)، محاولة لتفريغ الإسلام من أحد أهم مضامينه، كان مصطلح (الإسلام الحضاري)، محاولة لتفريغ الإسلام من أحد أهم نتائجه وثمراته، فقام العلمانيون باصطناع مقابلة بين ما أطلقوا عليه (الإسلام السياسي)، وبين ما أطلقوا عليه (الإسلام الحضاري)! وهى مقابلة لا تصح في كل الأحوال، إذ أن السياسي والحضاري كلاهما (خصيصة) من خصائص (الإسلام) الشامل الذي يؤمن به الإخوان المسلمون ويدعون إليه. حدث هذا عقب تفجيرات فرنسا عام 2015، فخرج إعلاميون يدَّعون أن الإسلام السياسي في مواجهة الإسلام الحضاري! فأيهما نختار؟! [١٤]
وبعضهم وضع للإسلام الحضاري عشر عناصر (التعليم الشامل - الإدارة الجيدة - التجديد قي الحياة - زيادة جودة الحياة - قوة الشخصية - الحيوية والنشاط - الشمول والسعة - العملية والواقعية - الاستقلال وعدم التبعية - تعزيز المؤسسة الأسرية)، ويواجه هذا (النوع) من الإسلام تحديات ستة هي (الجمود والتقليد - التطرف - الانعزال والرهبانية - العلمانية - أحادية المعرفة - الضعف في إدارة الوقت)! وواضح أن هذا المشروع يصلح لأي دولة ولأي أمة مهما كانت عقيدتها! فأين التميز الإسلامي في المشروع؟![١٥]
ويفسر أحدهم سبب نكبة الحضارة الإسلامية قائلاً: "سبب نكبة الحضارة الإسلامية هو تمدد مشروع الإسلام السياسي وكساد مشروع الإسلام الحضاري طيلة القرن العشرين أو نكبة المشروع الأخلاقي في الإسلام في الوقت الذي كانت تتنافس فيه أيديولوجيا (المادية الليبرالية) غرباً جاء مشروع الإسلام السياسي بـ المادية الجهادية ليكمل منظومة غياب الروح في العالم الحديث، وهكذا وبالتوازي مع وطأة الشيوعية شرقاً وقوة الرأسمالية غرباً جاء مشروع الإسلام السياسي ليزيد منها وينهي إلى الأبد مشروع الإسلام الإنساني لصالح الجهاد اللانهائي"!
ويعرف آخر الإسلام الحضاري مميزًا بينه وبين الإسلام السياسي قائلاً: "الإسلام الحضاري هو الخروج من السياسة إلى الحضارة والافاقة من نوبة جهاد يريد البعض لها أن تطول إلى الأبد – إلى نوبة حضارة وإلى تحول إلى إسلام حضاري يعي بقيم الروح وينبذ العنف". وتحت عنوان الإسلام الحضاري لا السياسي!
ويقول أحد المؤيدين للحضاري على السياسي: "إن الذي ينقذنا في العالم العربي من مغبة الخلط ويقينًا شرور التطرف ويحصن شعوبنا من الفتنة إنما هو الجرأة على الوصول إلى الإسلام الحضاري كمنظومة قيم خالدة لا التمسك بتوظيفه فقط للعمل السياسي، حيث التحول من الإسلام السياسي إلى الإسلام الحضاري عبر علمانية النظام السياسي وأتباعه للنظريات الغربية في السياسة والحكم والديمقراطية والمواطنة وابعاد الإسلام عن مناط السلطة والحكم".[١٦]
وتهدف هذه الأقوال إلى تفضيل (الإسلام الحضاري) على (الإسلام السياسي)، مع أن كلاهما مجرد وصف لجانب من جوانب الإسلام، لا الإسلام ذاته.
وهكذا.. بعدما عجز التيار العلماني عن مجاراة التيار الإسلامي في جهاده ونضاله وقبول الناس به، لجأ إلى التشويش عليه رغبةًً في إرباكه وصرْف الناس عنه! ويبقى في النهاية وعىُ الحاملين للمشروع الإسلامي لهذه الفخاخ، مانعاً من الخلط والتشتيت والإرباك.
المصادر:
- ↑ مصعب أبو شعبان - أزمة الأمة الحضارية https://www.aljazeera.net/blogs/2017/3/10/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9
- ↑ راشد الغنوشي - كتاب الحريات العامة في الدولة الإسلامية/ ص 290
- ↑ محمد عمارة – معالم المشروع الحضاري في فكر حسن البنا
- ↑ عبد الوهاب الأفندي وآخروون - الحركات الإسلامية وأثرها في الاستقرار السياسي في العالم العربي https://www.asharqalarabi.org.uk/paper/s-akhbar-ha4.htm
- ↑ صوت الشعب: العدد 9 ، 12 أغسطس 1946، صـ6. نقلا عن إخوان ويكي - السلطة التنفيذية في فكر حسن البنا https://www.ikhwan.wiki/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B0%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D9%81%D9%83%D8%B1_%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7
- ↑ مجموعة رسائل حسن البنا – رسالة المنهج
- ↑ فهمي هويدي - القرآن والسلطان
- ↑ يوسف القرضاوي - شمول الإسلام
- ↑ وليد القططي - الإسلام والسياسة وبينهما مفاهيم مشتبهات https://www.almayadeen.net/articles/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%86%D9%87%D9%85%D8%A7-%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%AA
- ↑ محسن النويشي - مقاصد مفهومي الإسلام السياسي والإسلام الديمقراطي https://arabi21.com/story/1433885/%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF-%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A-1-%D9%85%D9%86-3
- ↑ جريدة الإخوان المسلمين اليومية: العدد (627)، السنة الثالثة، 7 رجب 1367ه - 16 مايو 1948م نقلا عن إخوان ويكي - السلطة التنفيذية في فكر حسن البنا https://www.ikhwan.wiki/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B0%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D9%81%D9%83%D8%B1_%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7
- ↑ مجموعة رسائل حسن البنا – رسالة المؤتمر الخامس
- ↑ مجموعة الرسائل - رسالة بين الأمس واليوم
- ↑ تفجيرت فرنسا وتشويه صورة الإسلام... الاسلام الحضارى فى مواجهة الاسلام السياسي https://m.youtube.com/watch?v=HtFv6Sve-U8
- ↑ طريق الإسلام - الإسلام الحضاري.. قراءة في تحليل المضمون https://ar.islamway.net/article/57021/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B6%D9%85%D9%88%D9%86?__ref=iswy
- ↑ المصدر السابق