بلال فضل يروي تفاصيل الصراع بين عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر
مصطفى المغربي
روى الكاتب الصحفي بلال فضل تفاصيل الصراع بين المشير عبد الحكيم عامر والرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسط مطالب المشير بالسفر إلي إيطاليا.
وذكر في مقال له نشره بصحيفة التفرير بعنوان "لماذا رفض عبد الناصر طلب المشير عامر بالهجرة إلي إيطاليا عقب وقوع الهزيمة؟": "بالتأكيد لم يشهد التاريخ المصري الحديث صداقة سياسية على أعلى قدر من التعقيد والغموض والخطورة كتلك الصداقة التي نشأت بين الضابطين بالجيش المصري جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر".
وتابع:
- "رغم أن دراسات وشهادات كثيرة قدمت محاولات لرسم ملامح تلك الصداقة، واتفق معظمها على أن عبد الناصر كان مصابًا بضعف إنساني شديد تجاه عبد الحكيم عامر، وأن ذلك الضعف كان أكبر أخطائه وعيوبه، إلا أن تصور عبد الحكيم عامر لتلك الصداقة وموقفه منها ورؤيته الحقيقية لصديقه عبد الناصر لا زال غائمًا وغير واضح".
وهو ما يعطي لشهادة عبد الصمد محمد عبد الصمد أهمية خاصة، برغم أنه يروي لنا آراء صدرت عن المشير في حق صديق عمره، في لحظات عصيبة لا يسودها الصفاء والود والتفهم الإنساني، بعد أن حدثت واقعة الهزيمة، وبدا واضحًا أن لحظة الحساب بين الاثنين قد حانت بكل مخاوفها ومتطلباتها المريرة.
وذكر فضل على لسان عبد الصمد محمد عبد الصمد صديق المشير عبد الحكيم عامر كيف رفض عامر بعد عودته إلى القاهرة كل عروض عبد الناصر عليه بقبول مناصب شرفية لا اختصاصات حقيقية لها، ومع تكرار تلك العروض بدأ بعض المحيطين بالمشير ينصحونه بقبول بعضها، لكن رفضه كان يزداد حدة كل مرة.
وتابع:
- "حين نصح أحد المقربين عبد الحكيم عامر ذات مرة أن يقبل عرضًا قدمه له عبد الناصر قال.. هو أنا اشتركت في الثورة علشان أحكم ولا أنحني؟ وإذا كان عبد الحكيم عامر حينحني فما فيش حد في مصر حيقف قدام جمال تاني، والتاريخ يكتب إنه مافيش حد في مصر يفوقه ولا حد رفض منصب زي اللي رفضته".
وأردف فضل في مقاله:
- "يشير عبد الصمد بعد روايته لما قاله له عامر إلي رواية مهمة حدثت لاحقًا، تزعم أن عبد الناصر قرر تصفية صديقه عامر، بعد أن علم أن عامر ينوي مواجهته بقوة وشراسة، أو هذا ما قاله لعبد الصمد شمس بدران، حين كانا سويًا في المعتقل، مؤكدًا له أن عبد الناصر كان على علم بكل كلمة قالها المشير ومن قابلوه وزاروه".
واستطرد:
- "لتأصيل العلاقة بين الصديقين القديمين ووضعها في سياق أوسع، يروي عبد الصمد أن عبد الناصر عرض منصب رئيس الجمهورية على عبد الحكيم عامر مرتين: الأولى في أزمة ديسمبر سنة 1962، حين حدثت أول مواجهة بين ناصر وعامر عقب الانفصال عن سوريا، وقام ناصر باقتراح تشكيل مجلس رئاسي لمواجهة نفوذ عامر، فأعلن عامر استقالته وتضامن معه عدد من كبار قادة الجيش، لتحدث وقتها أزمة حادة دفعت ناصر إلى التراجع عن رغبته في مواجهة عامر.
وروى:
- "لا يذكر عبد الصمد تاريخًا محددًا للمرة الثانية التي عرض فيها ناصر على عامر رئاسة الجمهورية، لكنه يقول إنها كانت تقريبًا في عام 1965، حين وافق مجلس الرئاسة بأغلبية ستة أصوات على سحب معظم اختصاصات عبد الحكيم عامر في الجيش، فألقى عامر جدول أعمال مجلس الرئاسة على طاولة الاجتماع، وانصرف إلى بيته ليرسل خطاب استقالة مسببة إلى عبد الناصر، حمله إليه شمس الذي لعب دور الوسيط بين الاثنين".
وواصل:
- المثير للاهتمام أن عامر -كما يروي عبد الصمد- لم يأمن لعرض عبد الناصر بترك منصب الرئيس له عام 1962، فقال لمن معه إن جمال يستحيل أن يتنازل عن أي شيء حصل عليه، وإنه سيضع نظام الحكم بحيث يكون عبد الحكيم مجرد لافتة ومنظرة يستقبل ويودع رؤساء الدول في المطار بينما يقوم جمال بدور مؤثر ومحوري كالذي كان يقوم به بريجنيف في الاتحاد السوفيتي إن لم يكن دوره سيكون أكبر وأوسع".
وقال فضل:
- "يعود عبد الصمد ثانية إلى وقائع ما جرى بعد هزيمة يونيو، حيث يكشف واقعة خطيرة حدثت بعد عودة المشير من المنيا إلى القاهرة وخضوعه لإقامة شبه جبرية في منزله، مفادها أن المشير عامر قرر أن يقابل عبد الناصر ليفاجئه بأنه قرر السفر إلى إيطاليا بصحبة شمس بدران، قائلًا له إنهما سيبقيان هناك إلى أجل غير مسمى، وبالتالي على عبد الناصر أن يعتبر أن الأزمة انتهت وأن عليه ألا يخاف منهما، ولم يقل لنا عبد الصمد لماذا قرر المشير اختيار إيطاليا".
وذكر:
- "فوجئ عبد الحكيم عامر بمكالمة تليفونية من جمال عبد الناصر بعد أيام من لقائهما يقول فيها جمال إنه لا يوافق على سفره إلى إيطاليا في هذه الظروف وإنه يقترح عليه السفر إلى يوغوسلافيا حتى تتحسن الظروف، وهنا يروي عبد الصمد أن عبد الحكيم لم يستطع التحكم في أعصابه التي أفلتت على آخرها، بعد ما قاله له جمال، فوجّه لجمال ألفاظًا عنيفة جدًا".
وأردف:
- "ربما كانت هذه المكالمة هي التي حسمت قرار عبد الناصر بأنه لا فائدة من بقاء الوضع على ماهو عليه، وأنه آن الأوان للتخلص من صديق عمره الذي أصبح عثرة في طريقه. وبالفعل يكشف لنا عبد الصمد كيف تصاعدت نذر المواجهة بعد تلك المكالمة بالتحديد؛ حيث بدأ يظهر في منزل المشير عامر من أسماهم عبد الصمد "حرس الجلاليب"، الذين تلقوا تدريبات على المواجهة العسكرية أقامها لهم جلال هريدي -أحد كبار ضباط الصاعقة الموالين للمشير- وبدأت وفود من الصعيد تزور المشير ليزيد ذلك من غضب عبد الناصر".
واستطرد:
- "بعد وقوع الهزيمة اشتعلت الأزمة بين ناصر وعامر أكثر بسبب جلال هريدي وعدد من الضباط الموالين لعبد الحكيم، مثل عثمان نصار الذي كان وراء تعارف ناصر بعامر قبل الثورة، وحسين مختار وحمزة البسيوني صاحب سجل التعذيب الشهير، حيث رفض المشير طلبات عبد الناصر المتكررة بتسليمهم إليه، واعتبر طلبات عبد الناصر تلك إهانة له، وعندما حاول بعض الضباط اعتقال جلال هريدي، تحول الأمر إلى معركة كبيرة بالرصاص في قلب القاهرة، بل وقام جلال باختطاف ضابطي مباحث عامة كانا يراقبان بيت المشير".
وواصل:
- "يروي عبد الصمد أن جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة -الذي كان عبد الناصر قد قام بتنحيته عن المسؤولية منذ فترة بسبب اشتباكاته اللفظية الدائمة مع عبد الناصر- جاء يومها لزيارة عبد الحكيم، وقام بلومه لأنه ترك عبد الناصر يأكل رفاقه في مجلس قيادة الثورة واحدًا تلو الآخر، مذكرًا عامر بأنه كان قد حذره بأن الدور سيكون عليه عاجلًا أو آجلًا لكنه لم يسمع".
المصدر
- تقرير: بلال فضل يروي تفاصيل الصراع بين عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر مصر العربية