تقرير برلماني يكشف مهازل التعليم في مصر
كتب- أحمد صالح
06-06-2010
مقدمة

- إهدار المال العام على مشروع تطوير التعليم العالي
- كوبا وماليزيا قضتا على الأمية.. ومصر فشلت
- امتحانات لا تقيس الكفاءة.. وتجاهل احتياجات الطلاب
تحذيرات برلمانية وفضائح حكومية عديدة حول فشل حكومات الحزب الوطني المتعاقبة في تطوير التعليم في مصر وإهدارها للمال العام وأموال القروض.. ملفات ساخنة يناقشها مجلس الشعب خلال جلساته القادمة، من خلال أخطر تقرير أعدته لجنة التعليم والبحث العلمي.
يتضمَّن التقرير- الذي يحتوي على 94 صفحةً- العديد من المهازل والفضائح والمفاجآت الخطيرة التي صنعتها حكومات الحزب الوطني لخلْق جيل من المتعلمين غير قادر على الابتكار والعمل داخل الأسواق المحلية والخارجية.
وتواجه الحكومة العديد من الاتهامات، منها فشل الجامعات المصرية في الدخول ضمن أفضل الجامعات في التصنيفات العالمية، وعدم حصول الكليات التابعة للجامعات الحكومية على شهادة ضمان الجودة، وفشل الحكومات المتعاقبة منذ 58 عامًا في القضاء على الأمية، في الوقت الذي نجحت فيه دولة كوبا على القضاء على الأمية في عام واحد، وماليزيا في 3 سنوات.
ووصف التقرير التعليم العالي في مصر بالسيِّئ؛ لاستناده إلى مناهج ضيقة وجامدة وموغلة في القدم في كثير من الأحيان ومرتبطة بوجهة نظر وحيدة يتقدمها المحاضر التي تركِّز على الطرق النظرية بدلاً من الطرق العملية للمعرفة، وتقديمها في قاعات ذات المرافق الضعيفة التجهيز.
فيما رصد التقرير العديد من المفاجآت الخطيرة؛ منها تباطؤ السحب من قروض البنك الدولي للإنشاء والتعمير الخاص بمشروع تطوير التعليم العالي والبالغ قيمته 50 مليون دولار؛ حيث أكد التقرير أن نسبة السحب لم تتعدَّ 4.4% من قيمة القروض بعد مرور عامين منذ تاريخ نفاذ القرض في 29/7/2002م؛ الأمر الذي حمل الدولة بمصاريف وأعباء مالية نظير ما تدفعه من عمولة ارتباط الجزء غير المسحوب من القرض.
فيما أرجعت وزارة التعليم العالي ذلك إلى التأخر في إصدار قرار إنشاء وحدة إدارة المشروعات، واستغراق حوالي عام في تعيين كل من مديري المشروعات الستة والمدير التنفيذي، فضلاً عن تأخر توريد الأجهزة والمعدات اللازمة لتطوير الكليات التابعة لمشروع تطوير التعليم العالي المموَّل من القروض؛ بسبب طلب البنك المركزي المصري عند فتح الاعتمادات اللازمة لاستيرادها الحصول على موافقة الهيئة العامة للتصنيع عن كل اعتماد يتمُّ فتحه علاوة على طول الوقت المستغرق في الحصول على موافقة مصلحة الضرائب على المبيعات للإفراج المؤقَّت على الأجهزة الواردة في نطاق القرض.
جاء ذلك في الوقت الذي كشف فيه التقرير أن القرض قد واجه العديد من الصعوبات حتى تمَّ إنفاقه بالكامل في 31/3/2009م، في حين بلغ المنصرف على الخبراء والتدريب 17.6 مليون جنيه بنسبة 35.2% من إجمالي القرض، وبلغ المنصرف على باقي البنود 15.5 مليون دولار بنسبة 31% من إجمالي القرض، في حين بلغ المنصرف من مساهمة الحكومة المصرية 41.1 مليون جنيه، وبلغ إجمالي الممول للجامعات الحكومية والكليات التكنولوجية والمجلس الأعلى للجامعات نحو 36.2 مليون دولار وما حصلت عليه الجامعات حديثة الإنشاء (بنها- الفيوم- بني سويف- كفر الشيخ- سوهاج) بلغ نحو 2.1 مليون دولار من إجمالي المبالغ الممولة للجامعات بنسبة 5.8% في حين حصلت الجامعات القديمة (القاهرة- عين شمس- الإسكندرية- أسيوط- الزقازيق- حلوان) على نحو 16.4 مليون دولار بنسبة 45.3% من إجمالي المبالغ الممولة للجامعات، لافتًا النظر إلى أن عمليات التطوير تم اقتصارها على الجامعات الأقدم.
فيما أكد التقرير البرلماني حول فحص مشروعات الكليات التكنولوجية المصرية عن عدم تحقيق أحد أهداف المشروع الخاصة بتأهيل البنية الأساسية وتجهيزات ومباني الكليات التكنولوجية، وعدم الاستفادة من بعض الأجهزة والمعدات الحديثة التي تمَّ توريدها للمعامل والورش بالمعاهد الفنية، مرجعًا التقرير ذلك إلى أن معظم هذه الأجهزة والمعدات ذات تقنيات عالية، مع عدم تدريب القائمين على استخدامها التدريب الكافي.
وأضاف أن بعض الجامعات لا يوجد بها شبكات معلومات، وأن بعض الكليات غير متصلة بمقر الشبكة الرئيسية بالجامعة، وعدم وجود خطة واضحة لتعميم نظام التعليم الإلكتروني وضعف وجود المقررات الإلكترونية.
وفي مفاجأة وفضيحة مدوية للحكومة، أكد التقرير أنه بالرغم من انتهاء المرحلة الأولى من مشروعات التطوير التي تكلَّفت 50 مليون دولار قيمة قرض البنك الدولي، وأيضًا نحو 41.1 مليون جنيه قيمة مساهمة الحكومة المصرية، ونحو 12.5 مليون دولار قيمة قرض هيئة التنمية الدولية، إلا أن الجامعات الحكومية المصرية لم تدخل ضمن أفضل الجامعات في التصنيفات العالمية للجامعات، ولم تحصل أيضًا على أيٍّ من الكليات التابعة للجامعات الحكومية- وأيضًا المعاهد الفنية- على شهادة ضمان الجودة التي تمنحها في الوقت الذي نجحت فيه دولة كوبا في القضاء على الأمية في عام وماليزيا في 3 سنوات.
الأمية
وأشار التقرير إلى أنه بالرغم من تعديل قانون محو الأمية لعام 91 إلى القانون 131 لسنة 2009م فإن تلك التعديلات لم تؤتِ ثمارها؛ نتيجة تصادم القانون بنحو 13 تحديًا، منها ضعف مستوى بعض معلمي محو الأمية، وعدم توافر المستلزمات التعليمية في بعض الإدارات، ووجود نحو 20 مليون نسمة ساقطي القيد ممن ليس لهم شهادات ميلاد وغير مسجَّلين بالسجلاَّت المدنية، علاوةً على قلة الاعتمادات المخصصة للهيئة، والتي تقدَّر بنحو 50 مليون جنيه، منها 10 ملايين للهيئة و40 مليونًا للمحافظات التي لم يصل إليها سوى 17.5 مليون جنيه.
ورصد التقرير فشل الحكومات المتعاقبة حتى الآن في القضاء على الأمية، رغم صدور إعلان من رئيس الجمهورية عام 1990م باعتبار عقد التسعينيات عقدًا لمحو الأمية في مصر للقضاء عليها بحلول عام 2000م، إلا أن هذا الإعلان وما تبعه من خطط قومية شاملة فشل في تحقيق أهدافها لعدم وجود آليات لتنفيذها، مدللاً على ذلك بأن الأمية في مصر بلغت نسبتها 29.7% طبقًا لتعداد 2006م، ووصول عدد الأميين إلى 17 مليون، في حين بلغت الأمية في الفئة العمرية من 10: 35 عامًا 5.5 ملايين نسمة بنسبة 20% من المجتمع المصري.
فيما حذَّر التقرير من خطورة الأمية داخل المجتمع المصري وتأثيراتها السلبية في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والصحية، فضلاً عن تسبُّبها في تراجع ترتيب مصر في كافة المؤشرات الخاصة بالتنمية البشرية، وأكد التقرير أن توافر الإرادة السياسية والجدية واستغلال الموارد المتاحة يمكن من خلالها القضاء على الأمية في مصر.
جودة التعليم
وحول أداء الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، أكد التقرير أنه لا يوجد معلومات عن جودة الطلاب الذين يقبلون في التعليم العالي؛ حيث يعتمد قبولهم على نتائج الامتحانات الوطنية التي تفتقر إلى مستويات الكفاءة المطلوبة، وعدم الاستجابة لاحتياجات الطلاب؛ لعدم التزام المحاضرين بمواعيد المحاضرات، وهروب الأكاديميين من الجامعات لعثورهم على وظائف بأجور أعلى في سوق العمل فير الأكاديمي في الوقت الذي زاد فيه معدل نمو حجم الطلب على التعليم العالي سريعًا ووصوله إلى 2.4 ملايين طالب في مرحلة البكالوريوس والليسانس وحوالي 250 ألف طالب بالدراسات العليا خلال عام 2008م، فيما يواجه طلاب الجامعات الحكومية مشكلات في إيجاد مكان بقاعات المحاضرات والمعامل.
فيما شدَّد التقرير في توصياته إلى الحكومة على ضرورة مراعاة الدقة في إعداد دراسات الجدوى للمشروعات التي تقوم وزارة التعليم العالي بتطويرها، وسرعة التغلب على المشكلات التمويلية والإدارية التي تواجه هذه المشروعات في وقتها، وضرورة وجود مراجعة مستمرة للخطط والتشريعات المنظمة لمنظومة التعليم العالي لتحقيق متطلبات سوق العمل وأهداف التنمية الوطنية.
وأكد التقرير أن إرساء مبادئ الجودة والتقويم الذي أتى لجميع مناحي التعليم العالي يتطلَّب وجود قانون منفصل ينظِّم الجامعات الحكومية وآخر لتنظيم الجامعات الخاصة، مع إخضاع التعليم بالأزهر الشريف وجميع مؤسساته العلمية التابعة له لتشريع موحد منفصل مع الحفاظ على خصوصية الأزهر الشريف وتراثه ودعمه والاعتراف بدوره العظيم، كمنارة للعلوم الإسلامية الوضَّاءة وتاريخه كأقدم جامعة فاعلة عرفتها البشرية.
وطالب التقرير بكفالة حق طلاب التعليم العالي واتحاداتهم في المساهمة في صنع القرارات داخل المؤسسة التعليمية ووضع لائحة طلابية بها صلاحيات كبيرة يراعى فيها مبدأ التكافل الاجتماعي والمشاركة في إبداء الرأي في كل ما يتعلق بالحياة الطلابية والأمور العامة، وإمكانية مشاركته في الأنشطة المختلفة التي تنمِّي ملكته وشخصيته في هذه المرحلة من العمر.
التعليم قبل الجامعي
وكشف التقرير عن وجود العديد من المشكلات والتحديات التي تواجه التعليم قبل الجامعي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عدم توفير متطلبات الأمن والسلامة؛ بما يشكِّل خطورةً على المؤسسة التعليمية ومن بداخلها، وانخفاض مستوى التحصيل لدى المتعلمين في اللغة العربية والرياضيات والعلوم، وكذلك انخفاض مستوى المهارات العامة لهم، كمهارات التفكير والتعليم الذاتي وانخفاض مستوى اهتمام القيادات المدرسية بمتابعة عمليتي التعليم والتعلم ومستوى المتعلمين، وقصور عملية تقويم الطلاب على الجانب المعرفي القائم على التذكر دون الجوانب المهارية والوجدانية، وعدم الربط بين التقويم والأنشطة الصيفية، وتدنِّي مستوى التخطيط والتنفيذ لإستراتيجيات التعليم الفعالة وارتفاع نسب الغياب والتسرب ومحدودية تقويم الدعم النفسي والأكاديمي المناسب للطلاب، وعدم الربط بين المدرسة والمجتمع، وعدم تفعيل وحدة الجودة والتدريب؛ بما لم يحقق المستهدف من نظام الجودة.
فيما كشف التقرير أن نسبة المؤسسات التعليمية التي تقدَّمت بطلب جودة التعليم والاعتماد لا تتعدَّى 2% من مجموع مؤسسات التعليم قبل الجامعي، وأقل من 1% من مجموع مؤسسات التعليم العالي.
وأكد التقرير في صورة غاضبة أن ما حدث للمشروع القومي لوادي التكنولوجيا وتوقفه تمامًا أمرٌ لا يحتمله عقل بعد أن تمَّ تحويل المشروع الذي أُنفق عليه 52 مليون جنيه لتوفير البنية الأساسية ليكون نواةً للعلم والبحث العلمي والتكنولوجي ومولدًا عمليًّا للكوادر البشرية والمخترعات والمستحدثات في شبه جزيرة سيناء على مساحة 16 ألفًا و500 فدان قد تحوَّل إلى مجتمعات سكنية فرقت أوصاله والتوجه إلى مزيدٍ من مشروعات بنية أساسية بعيدًا عن البحث العلمي والتكنولوجيا وتحويله إلى إنشاء مصانع ومنازل ومشروعات استثمارية بمساندة من محافظة الإسماعيلية، ومعها وزارتا الصناعة والتجارة والاستثمار.
فضيحة مدوية
جاء ذلك في الوقت الذي وصف فيه نواب الإخوان والمعارضة والمستقلين ما جاء بالتقرير بالفضيحة المدوية التي كشفت زيف ادِّعاءات حكومة الحزب الوطني، بعد أن رصد التقرير العديد من المهازل والمفاجآت الخطيرة، والتي من بينها إهدار المال العام في المراكز البحثية.
وتساءل النواب الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين وعلي لبن وإبراهيم زكريا يونس أعضاء الكتلة والدكتور جمال زهران ومحمد عبد العليم داود: كيف تستمر هذه الحكومة في إدارة البلاد بعد أن وصل ترتيب مصر في المرتبة الـ124 من بين الـ134 دولة من حيث جودة المؤسسات التعليمية وتراجع ترتيب مصر في التعليم الأساسي إلى المرتبة الـ129 بين الـ134 دولة وتفوق البحرين وتونس والجزائر وسوريا والكيان الصهيوني على مصر في عدد الملتحقين بالتعليم الأساسي واحتلال مصر المرتبة الـ116 من بين الـ179 دولة في مؤشر التنمية البشرية.
المصدر
- تقرير برلماني يكشف مهازل التعليم في مصرإخوان أون لاين'