جمعية المحافظة على القرآن الكريم وثمانية عشر عاماً للعلم والتعليم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جمعية المحافظة على القرآن الكريم وثمانية عشر عاماً للعلم والتعليم

د.إبراهيم زيد الكيلاني

من فضل الله علينا في بلد الحشد والرباط (الأردن الغالي) أن تأسست هذه الجمعية بترخيص كريم من وزارة الثقافة عام (1991م)، وكان من ثمراتها الطيبات خلال ثمانية عشر عاماً من تأسيسها إقامة ما يقارب من سبعمئة مركز لتعليم القرآن الكريم للذكور والإناث، منتشرة في مدن الأردن وقراه وريفه وباديته،وتخريج ما يقارب سبعة آلاف حافظ وحافظة، ومد المجتمع الأردني بقراء وحفظة، بعضهم يتقن القراءات السبع،والعشر،وبعضهم تفرغ للتعليم والتدريس،وكانت المعالم التالية من إنجازات الجمعية بإذن الله تعالى:

  1. التوجه لأبناء المجتمع الأردني من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية إلى الجامعة،ووضع البرامج المناسبة في التعليم لكل مرحلة،وإعداد المعلمين والمعلمات المؤهَّلين لذلك.
  2. مساعدة مَن لم يتيسر له الدراسة السابقة على التعلم والحفظ.
  3. مساعدة المعوقين والمكفوفين على قراءة القرآن الكريم؛حيث قامت الجمعية بطباعة مصحف (بريل) للمكفوفين،وكانت نعمة كبرى وجدها المحرومون من نعمة البصر،بهذا المصحف.
  4. الجمع بين التعليم للقرآن الكريم تلاوة وحفظاً،وبين التربية على أخلاق القرآن والتعريف بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم،وعقد دورات شرعية في علوم التفسير والعقيدة والفقه والحديث.
  5. إنقاذ الشباب من فتن المجتمع عن طريق صحبة المسجد،والرفيق الصالح،والتربية الواعية المتوازنة.وتوجيه الأطفال من سن مبكرة ووصلهم بالقرآن الكريم وحب الرسول عليه أفضل الصلاةوالتسليم.
  6. ربط المدينة بالبادية بالريف،عن طريق توسيع مراكز القرآن الكريم وحلقات تعليمه،لننتقل بأبناء هذا البلد الطيب إلى أخلاق القرآن وقيمه من خلال تعلمه وتعليمه.
  7. إحياء دور العالم الرباني وتجديده؛ليقوم برسالته في الهداية والتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،بعد أن ضاقت عليه السبل في كثير من المساجد والمؤسسات.
  8. مواجهة المؤسسات المعدة لهدم قيمنا وأخلاقنا وتشويه هوية الأمة الحضارية ببرامج علمية،ووسائل مناسبة،عن طريق التذكير والتوجيه والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
  9. نشر الكتاب الإسلامي في الموضوعات التي يحتاجها الشباب والعلماء والمتعلمون،وقد نشرت الجمعية بفضل الله كتباً عديدة منوعة منها كتاب: "المنير في أحكام التجويد"،وكتب في التفسير والثقافة الإسلامية والإعجاز القرآني.
  10. أولت الجمعية موضوع (الإعجاز القرآني) وبيانه للناس أهمية خاصة،وكان من موضوعاته بيان الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي ألف فيه وحاضر العلامة الدكتور زغلول النجار، وقد نشرت الجمعية بعض كتبه،واستضافته لمحاضرات عديدة ألقاها على الناس،وكان لها بفضل الله تعالى أثر عظيم وثمرات طيبة.
  11. عقدت الجمعية مؤتمرات علمية لخدمة القرآن الكريم،شارك فيها علماء كبار من أساتذة الجامعات المتخصصين،كان منهم العلامة الدكتورأحمد الريسوني من المغرب،الذي نقلت فضائيات الجزيرة وغيرها محاضراته،وكان منها المؤتمر القرآني الأول والثاني،ومؤتمر الوسطية الذي شارك فيه عدد من كبار علماء الأردن وبثته الفضائيات.
  12. تقوم الجمعية بعقد دورات للإجازة في البوادي والأرياف التي يصعب الوصول إليها،كما تقوم بتسيير رحلات عمرة،ولقاءات ثقافية وحضارية خدمة للقرآن الكريم وتحقيقاً لأهداف الجمعية في التواصل والتراحم.
  13. تُصدر الجمعية مجلة شهرية اسمها (الفرقان) تخدم أهداف القرآن الكريم عن طريق كتابة العلماء من أهل الاختصاص،وتربط بين المشرق والمغرب وبعض البلاد العربية لتحقيق أهداف التواصل العلمي والثقافي والحضاري بين علماء الإسلام.

كلمات الإمام علي رضي الله عنه وأهداف الجمعية:

ومن خير ما يصور أهداف الجمعية في إحياء الأمة بالقرآن العظيم،وفتح القلوب والعقول لتعلمه وتعليمه والاستنارة بهديه،والنهوض بأبناء الأمة للعيش في ظلال رحمته وهداه وتوجيهه،هذه الكلمات المضيئة للإمام علي بن أبي طالب التي نصح بها أحد طلابه وهوكميل بن زياد النخعي.

قال رضي الله عنه:

"يا كميل،القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للخير،

احفظ عني ما أقول لك:

الناس ثلاثة: فعالمٌ رباني،ومتعلمٌ على سبيل نجاة،وهَمَجٌ رعاع،أتباع كل ناعق،يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور الله،ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.

العلم خير من المال؛العلم يحرسك وأنت تحرس المال،العلم يزكو على الإنفاق والمال تنقصه النفقة،العلم حاكم والمال محكوم عليه.

ومحبة العالم دِيْنٌ يُدان بها.. العلم يُكْسِبُ العالمَ الطاعةَ في حياته،وجميل الأحدوثة بعد وفاته،وصنيعة المال تزول بزواله.

مات خُزَّانُ المال وهم أحياء،والعلماء باقون ما بقي الدهر،أعيانهم مفقودة،وأمثالهم في القلوب موجودة".

ثم يحذِّر الإمام علي رضي الله عنه من علماء السوء الذين يتخذون العلم وسيلة للدنيا، أو يحملونه ولا يحسنون فهم مقاصده وحكمه،ولا يقدرون على دفع شُبه الأعداء وضلالاتهم،فيحذر من عالم غير مأمون على العلم، يستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على عباده،ويحذر من مُنقادٍ لأهل الحق لا بصيرة له في حياته (أي لم يتمكن من معرفة أصول الدين ومقاصده وحكمه)، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة،كما يحذِّر من منهوم باللذات، سلس الانقياد للشهوات،أو مُغْرًى بجمع الأموال والادخار.

ويصفهم بقوله:

"ليسوا من رعاة الدين، أقرب شبهاً بهم الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه".

ثم يتوجه إلى الله بالدعاء بأن يحفظ في الأمة مَن يحفظ لها دينها مِن العلماء العاملين والقراء الصالحين والحفظة الصادقين فيقول: "اللهم لا تخلي الأرض من قائم لله بحججه؛ لكيلا تبطلَ حجج الله وبيناته، أولئك الأقلون عدداً،الأعظمون عند الله قدراً،بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم،ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر؛ فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأَنِسُوا مما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحها معلقة بالملأ الأعلى،أولئك خلفاء الله في أرضه، ودعاته إلى دينه".

ثم يعبِّر الإمام علي عن شوقه وحبه لهذه الطائفة من العلماء فيقول: "هاه هاه.. شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولك".

قال العلامة شمس الدين محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي المتوفى سنة (1188هـ) رحمه الهى في شرحه لهذا الأثر: قال أبوبكر الخطيب -وهو الإمام الخطيب البغدادي المتوفى (464هـ) وصاحب "تاريخ بغداد"-: هذا حديث حسن من أحسن الأحاديث معنى وأشرفها لفظاً،وهو تقسيم في غاية الصحة ونهاية السداد.

وقفة مع كلمات هذا الأثر:

1. القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للخير": كلمة مضيئة تدعو المؤمن ليحقق معنى الخيرية في بناء شخصيته وسيره على هدي نبيه؛ بأن يعي قلبه الخير بحفظ كتاب الله وحسن تلاوته وتدبر آياته والعمل بأحكامه.
2. الناس ثلاثة: فعالم رباني": والعالم الرباني هو العالم بكتاب الله، المعلم له تلاوة وتفسيراً وأحكاماً.. هو الفقيه المربي الذي أخلص علمه لله، وأخلص تعليمه لله، الذي استضاء بنور الله، وحمل نور كتابه إلى المتعلمين، لا يضعف ولا يكل ولا يمل، وهذا سر ربانيته، يعيش مع القرآن، ويعيش للقرآن، ولا يطلب إلا رضى الرحمن.

وكان من هؤلاء في هذا العصر الإمام الحافظ حسن البنا رحمه الله، والإمام الحافظ أحمد ياسين رحمه الله، وتلاميذ هذه المدرسة القرآنية الذين أحسنوا حفظ القرآن وتعليمه، وتربية الأمة على معانيه، ليدافعوا عن شرف الإسلام وأرضه ومقدساته، وليقيموا أحكام القرآن في الأمة.

وكان في مقدمة هؤلاء العلماء الربانيين الإمام الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى، الذي أحسن الحفظ تلاوة، وأحسن الحفظ تفسيراً سمَّاه: "في ظلال القرآن"، وأحسن الحفظ تربية وعملاً وجهاداً حتى كان وحده مدرسة قرآنية، واجهت أبواب الفتنة الثقافية والفكرية، وحولت شباب الأمة إلى طريق التنظيم والجهاد والعمل والتعاون على الخير.

وكان من رجال هذه المدرسة خمسة آلاف حافظ للقرآن الكريم في غزة من المجاهدين الأبرار الذين هزموا الجيش الصهيوني، ومنعوه من دخول غزة، وحرموه من تحقيق أهدافه.

وكان في مقدمتهم العالم المجاهد الحافظ نزار ريان رحمه الله تعالى، والقائد الحافظ المجاهد سعيد صيام رحمه الله تعالى.

هذه المدرسة للعلماء الربانيين هي أمل الأمة في تحرير بيت المقدس وتحقيق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النصر والتحرير.

3. "ومتعلم على سبيل نجاة": هذه هي جمعية المحافظة على القرآن الكريم.. طوق النجاة وحبل الإنقاذ لأبناء هذه الأمة حين تصلهم بالقرآن الكريم وحسن تلاوته وهدايته، وتنقذهم من أسباب الهلاك، ومصايد الفاسدين والمفسدين.
4. "وهمج رعاع،أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح": هذا هو هدف الأنظمة الاستبدادية الفرعونية في بلاد المسلمين؛أن تُحوِّل المسلمين من المحيط إلى الخليج، ومن الشرق إلى الغرب إلى همج رعاع وقطعان من العبيد، تحكمهم أهواؤهم وشهواتهم، ويملكهم خوف الحاكم وجبروته، ويقعون تحت تأثير إعلامه وصحافته وخداعه، لا يملكون الحصانة الفكرية والثقافية والإيمانية والخلقية التي تحميهم من سلطان السلطة وإغرائها وإرهابها.
5. "لم يستضيئوا بنور الله، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق": وهنا تظهر الحاجة للعلماء الربانيين الذين يُنقذون أبناء هذه الأمة بالقرآن العظيم، ويُحيون قلوبها بهدايته؛ ليستضيئوا بنور الله، ويلجأوا إلى ركن وثيق.

هنا نعرف أهداف هذه الجمعية المباركة (جمعية المحافظة على القرآن الكريم)، التي تعمل بصمت، ويدأب أبناؤها في مراكزهم على تعليم القرآن للذكور والإناث؛ يستنزلون رحمة الله، ويمدون حبال النجاة لأبناء هذه الأمة، ويقفون في وجه أخطر هجمة استعمارية صهيونية تدميرية تريد أن تبعد القرآن العظيم عن أبناء هذه الأمة تلاوة وفهماً، وتربية وخلقاً، وعملاً وأحكاماً، كما تسعى لهدم قيمه وأحكامه في محيط الأسرة؛ بتغيير قوانين الأحوال الشخصية، وفرض إملاءاتهم على هذا القانون الذي يُخرج المرأة من ولاية أبيها وقوامة زوجها؛ ليعيثوا في الأرض فساداً، ويهدموا الأسرة والمجتمع كله.. {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8].

المصدر