حصاد العام الجامعي 2007
- الطلاب: الحكومة تعاملت معنا بقسوة وكأننا أعداء للوطن
- د. دياب: إدارات الجامعات تعاملت مع الطلاب كأنهم مجرمون في قسم شرطة
- د. يحيى القزاز: أسلوب تصفية الحسابات مع الشباب يقتل الانتماء والولاء
تحقيق : هاشم أمين
مقدمة
لفتت الحركة الطلابية المصرية هذا العام الأنظار وقدمت طوال العام الدراسي 2006/2007م وسائل جديدة للتعاطي مع الأحداث؛ مما جعلها محط أنظار وسائل الإعلام بكافة أشكالها الداخلية والخارجية، وبلغت الأحداث ذروتها بعد المهزلة التي أدارها الأمن وإدارات الجامعات، فيما سُمّي بانتخابات اتحاد الطلاب، الأمر الذي أدَّى بالطلاب إلى اللجوء إلى فكرة اتحاد الطلاب الحر والذي لاقى نجاحًا واهتمامًا بالغَيْن خاصة مع تفاعل أعضاء هيئة التدريس ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام مع هذا الحدث.
ومع أن النظام كان من عادته أن يوجه أسلحته المعتادة من تحقيقات ومجالس تأديب وفصل وحرمان من دخول امتحانات واستبعاد من السكن بالمدن الجامعية ضد أي فعاليات طلابية إلا أنه هذا العام قد بحث عن أسلحة جديدة وتفتق ذهن شياطين النظام عن أفكار شيطانية وإجراءات تعسفية جديدة أضافها لخزينة الأسلحة الفاسدة التي اعتاد عليها لتكون جاهزةً في أي وقت لمواجهة طلاب الجامعات.
ولم يكتف النظام بمواجهة الطلاب بهذه الترسانة من الأسلحة والإجراءات بل جدد وأضاف إليها، حيث تحوَّلت جامعة عين شمس إلى ساحة حرب حين اقتحمت مجموعة من البلطجية حرم الجامعة تحت إشراف نائب رئيس الجامعة لمواجهة الطلاب، وتطور الأمر فوصل إلى ساحات أقسام الشرطة وتم تلفيق قضايا للطلاب ولإضافة مزيد من الزيت إلى النار المشتعلة كان من بين القضايا الملفقة قضية اعتداء بالضرب على طالبة لأنها لا ترتدي الحجاب!!
مواجهة.. طلاب الإخوان بلا سلاح في مواجهة البلطجية
ورأينا أيضًا جامعة الأزهر وقد اقتحمت عربات الأمن مساكن الطلاب الجامعية وبيوتهم، وروعت أهاليهم ثم اعتقلتهم ولما تم الإفراج عنهم أحالتهم إلى مجالس تأديب وفصلتهم لمزيد من التعنت وكنوعٍ من التشفي منهم، والآن تحولت الجامعة إلى ثكنةٍ عسكريةٍ وسجنٍ كبيرٍ، فالكل تحت المراقبة وكل شاردة أو واردة تحت المجهر الأمني.
ثم رأينا جامعة حلوان والتي تفوقت على باقي الجامعات في مضمار السباق الرخيص لإيذاء الطلاب؛ حيث وصل الأمر إلى فصل أحد الطلاب لمدة ثلاث سنوات والبعض إلى سنتين ثم سنة واحدة، وكان أقلهم حظًّا مَن فاز بفصل لمدة فصل دراسي واحد مع إلغاء امتحاناته، وفي كليات الجامعة تم الاعتداء على الطلاب بالشوم والجنازير بقيادة عميد الكلية، وفي جامعة القاهرة حيث معقل الأفكار الشيطانية لوقف الحركة الطلابية ابتكر أحدهم فكرة "تعدد التحقيقات من أكثر من جهة"، ووصل الأمر إلى أن تم إجراء 17 تحقيقًا في وقتٍ واحد مع أحد الطلاب!!، وفي جامعة المنوفية اقتحمت قوات الأمن حرم الجامعة واعتقلت عشرات الطلاب من داخل الحرم الجامعي.
فهل صمت النظام قليلاً على الطلاب انتظارًا لما يمكن أن نطلق عليه مرحلة "تصفية الحسابات"؟ وهل ما قام به طلاب الجامعات يستحق كل هذه الترسانة من الإجراءات والتضييقات التعسفية؟ ولمصلحة مَن يحدث كل ذلك؟ وما هو حجم تأثير هذه الإجراءات على الطلاب وأدائهم لأنشطتهم ولدورهم الخدمي وفي نفس الوقت تفوقهم الدراسي؟ وهل هناك بدائل مطروحة أمام الطلاب لتجنب كل هذا؟ وهل ترك أساتذةُ الجامعات ومنظمات المجتمع المدني الطلابَ وحدهم فريسةً لاستقواء النظام واستعراض عضلاته عليهم؟. كل هذه الأسئلة وغيرها يحاول "إخوان أون لاين" الإجابة عليه في هذا التحقيق..
تحريك القاعدة الجماهيرية
يقول عبد العزيز مجاهد بالفرقة الثالثة بكلية التجارة جامعة حلوان وأمين اتحاد الطلاب الحر السابق بالجامعة والمفصول لمدة سنة دراسية: إن الحركة الطلابية مثلت في الفترة الأخيرة صداعًا في رأس النظام؛ حيث إنها ولفترة طويلة كانت الأكثر حركةً على الساحة المصرية والأعظم تأثيرًا.
الطلاب أكدوا رفضهم لتعسف الإدارة
ويؤكد أن المستفيدين من النظام هم الوحيدون الذين يخشون من أي حِراكٍ سياسي في البلاد؛ وذلك لأن أي حراك سياسي معناه أن يأتي الأفضل للحكم وأيًّا كان مَن سيأتي فهو أفضل منهم بالتأكيد.
وأشار إلى أن المشكلة الأساسية بين النظام والطلاب هي أننا نحرك القاعدة الجماهيرية ونجعلها تشعر بقدرتها على التغيير وهذا أكبر تحدٍّ تواجهه السلطة، وقال إنهم لا يريدون أن يكون هناك بديل أمامنا إلا أن نندرج تحت سياسة الحزب الوطني وألا نمارس أي أنشطة إلا بما يتفق مع أهواء المسئولين.
وأضاف: إن الضغوط التي نتعرض لها والتحقيقات والفصل أدت إلى ابتعادنا عن ساحة الجامعة وقد توقفت بعض الأنشطة التي كنا نقوم بها، ولكن الأكيد أن هناك مَن سيكمل المسيرة ولن يوقفنا شيء عن تأدية رسالتنا وإيصال فكرتنا واستمرارنا في العمل، والدليل أن أنشطتنا ما زالت مستمرةً داخل الجامعة رغم كل ما حدث.
المدينة الجامعية سجن
وإلى حد كبير يتفق معه صهيب شوكت الملط- أمين اتحاد الطلاب الحر بجامعة الأزهر- قائلاً: نعم هذه الإجراءات أوقفت نشاطنا، فأي طالب يقوم بأقل نشاط الآن تتم معاقبته بالفصل، فبعض الطلاب قاموا مثلاً بتعليق ورقة تهنئة ببداية الفصل الدراسي الثاني فتم فصلهم لمدة فصل دراسي كامل، وبالتالي أصبحت أنشطتنا مقتصرةً على الحاجات المباشرة مع الطلاب، أما الأعمال العامة فهي غير متاحة الآن.
ويوضح صهيب أنه في ظل هذا الوضع أصبح من الصعب، ومن غير المتاح ممارسة أي نشاط علني ولكننا في نفس الوقت نتحين الفرص لممارسة أنشطتنا ولن نتوقف أبدًا عن ممارسة حقنا، وإن كانت هذه الأمور فعلاً قد ضيقت علينا حريتنا لكنها لم تؤثر فينا وسنظل نعمل مع الطلاب في أي نشاط يتاح لنا.
مظاهرات لطلاب الإخوان ضد اعتقال زملائهم
ويؤكد أن الخسارة مما يحدث ليست مقتصرةً على طلاب الاتحاد الحر أو طلاب الإخوان فقط بل هي خسارة لكل الطلاب، فالتضييق الآن يطال كل الطلاب أثناء دخولهم الجامعة أو المدينة الجامعية التي تحولت إلى ثكنة عسكرية، فالمشرف داخل المدينة أصبح من حقه القيام بتفتيش أي حجرة في أي وقت دون إذن، بل إنه يسألك عن سبب وجودك بحجرتك وعدم ذهابك للكلية حتى لو كان هذا اليوم هو يوم إجازتك!!، وقاموا أيضًا بمنع الطلاب من التنقل بين الغرف لأي سبب حتى صارت المدينة الجامعية سجنًا كبيرًا لا يتحرك فيه المسجونون وبين قوسين "الطلاب" إلا بإذن من السَّجَّان!!.
ويشير صهيب إلى أن الأعمال التي قام بها طلاب الاتحاد الحر وطلاب الإخوان قد أثبتت كفاءة كبيرة وأثبتت أيضًا أن بعض الطلاب قادرون على حل بعض المشاكل التي يعاني منها الطلاب والجامعة، مع العلم أن الفترة التي عملنا فيها كانت فترةً قصيرةً جدًّا، ولكننا استطعنا- بفضل الله وبمعاونة زملائنا وبعض أعضاء هيئة التدريس- أن نحل مشاكل لم تستطع إدارة الجامعة نفسها أن تحلها.
وذكر بعضًا من هذه الأعمال والأنشطة التي نجح فيها الطلاب وكان منها قيامهم بحملات نظافة في أكثر من كلية وكذلك مساعدة بعض الطلاب غير القادرين بتوفير الكتب لهم كما حدث في كلية الطب؛ وذلك بعد أن تحدث الطلاب مع بعض أعضاء هيئة التدريس بالكلية لتخفيض أسعار كتبهم فاستجابوا ووعدوا بإعطاء الكتب مجانًا لمن لا يستطيع شراءها، كذلك قمنا بعمل دورات في التنمية البشرية واللغات كما حدث بكلية اللغات والترجمة، وكان من المقرر أيضًا أن نتناول مشكلة المواصلات والسكن التي يعاني منها طلاب جامعة الأزهر، ولكن الاعتقال ومجالس التأديب عطلتنا عن كل هذا.
ويتعجب صهيب مما حدث معه ومع زملائه قائلاً: لقد توقعت أن تشكرنا إدارة الجامعة وأن تكافئنا على ما قمنا به من خدمات، ولكننا فوجئنا برد فعلهم الذي كان عنيفًا جدًّا وتمثل في اعتقال الطلاب وبعد أن تم الإفراج عنهم تمت إحالتهم لمجالس تأديب تم فصلهم على إثرها!!.
قراءة القرآن تهمة!!
أما أحمد محمد السيد العوضي بالفرقة الرابعة كلية الطب البيطري جامعة القاهرة فهو صاحب 17 تحقيقًا وهو أكبر عدد من التحقيقات ومجالس التأديب في وقت قياسي بالجامعات المصرية فيقول: إن إدارة الجامعة تريد تصفية الحسابات مع بعض الطلاب؛ حيث يقومون بتجميع أشياء قديمة ومضى عليها شهور لبعض الطلاب حتى يكون الحساب مجمعًا.
ويتعجب مما تفعله إدارات الجامعات مع الطلاب قائلاً: إن ما نقوم به من أنشطة هي أشياء عادية وطبيعية مثل قراءة القرآن والتي تم بسببها إحالة الكثير من الطلاب للتحقيقات ومجالس التأديب، وأي عاقل يرى ما قمنا به من أنشطة هي أشياء لا يجرمها الشرع ولا القانون، ولو أننا نفعل ما يستحق الفصل والتحقيقات ومجالس التأديب فإننا سنبحث وقتها عن بدائل ولكننا لا نفعل أشياء نستحق عليها كل ما يحدث.
ويرى العوضي أن عمداء الكليات والوكلاء ليسوا مستفيدين مما يحدث وإنما المستفيد الأول هو جهاز أمن الدولة الذي يريد إرهاب الطلاب الذين يقومون بممارسة الأنشطة وإبعاد باقي الطلاب عنهم، أما العمداء والوكلاء فدورهم تنفيذ الأوامر.
المحرك الأكبر
عمرو حامد أمين اتحاد طلاب مصر الحر
ويربط عمرو حامد- أمين اتحاد طلاب مصر الحر- الخيوط قائلاً: إن النظام يريد أن يوجه رسالةً للطلاب باعتبارهم المحرك الأكبر لأي احتجاجٍ ضده في مرحلة هي الأسوء في تاريخ مصر مفادها أنه يجب الرضوخ لما يريده النظام في الفترة المقبلة، وأنه لن يسمح بأي شكلٍ من أشكال المعارضة للأجندة الحكومية المراد تمريرها في هذه الفترة، وكان على رأسها بالطبع التعديلات الدستورية، وأضاف أن النظام يريد من هذه الأفعال بث الرعب والفزع في قلب كل طالبٍ يريد أن يتحرك دفاعًا عن حقوقه.
وعن مدى تأثير التحقيقات ومجالس التأديب والعقوبات على الطلاب قال: الطلاب لديهم إيمان كبير بفكرتهم وأكبر دليل على هذا الأمر هو أن الطلاب ما زالوا مستمرين في ممارسة أنشطتهم رغم كل ما حدث لهم؛ بل قاموا وقت هوجة التعديلات الدستورية بتنظيم مظاهراتٍ حاشدة ضد هذه التعديلات؛ مما يؤكد أن الطلاب لا يزالون صامدين رغم كل ما يحدث.
ويستطرد قائلاً: الطلاب ينقسمون قسمين: الأغلبية الصامتة والباقون هم المؤمنون بفكرتهم، وهذه العقوبات لم تضر الصامتين؛ لأنهم ما زالوا صامتين وبدورها لم تؤثر في الصنف الآخر لأنهم ما زالوا متمسكين بفكرتهم ومنهجهم.
ويؤكد أن ما يفعله الطلاب من أنشطةٍ يستحقون عليه التكريم، ولكن لأنَّ هذه الأنشطة أحرجت الجهات الحكومية والإدارات الجامعية وأظهرت غيابها عن توفير نشاطٍ طلابي واضح فكان هناك رغبة في تصفية الحسابات أو تشويه الصورة أمام الطلاب.
وعن البدائل المطروحة أمام الطلاب لتجنب تكرار هذه العقوبات التي تُؤثِّر عليهم قال حامد: ليس هناك بديل إلا توقف الطلاب عن ممارسة أنشطتهم والرضوخ لإرادة النظام، وهو شيء مرفوض من جميع الطلاب النشطين والمؤمنين بفكرتهم.
معاملة المجرمين
ويرى الدكتور أحمد دياب - المدرس بكلية الألسن جامعة عين شمس وعضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين- أن النظام له أجندة محددة وله طريقة تعامل لا يحيد عنها مع كل القوى التي تختلف معه والطلاب جزء من هذه القوى وبالتالي تشملهم نفس طريقة التعامل.
ويشير دياب إلى أن هناك توجهًا جديدًا للحكومة بأن يتم التعامل مع الطلاب كتعامل أقسام الشرطة مع المجرمين، كما حدث من ضربٍ واعتداءٍ على بعض الطلاب، وتم تلفيق قضايا في أقسام الشرطة لطلاب آخرين، وهذا تطورٌ خطيرٌ يدل على أن فكر النظام لا يتغير.
وحول المستفيد مما يحدث أكد دياب أنه لا أحد مستفيد حتى الحزب الحاكم لا يدري أنه بما يفعل فإنه يسمم البئر كاملةً، وهو أيضًا خاسرٌ، وما يحدث ليس في مصلحة الشباب أو العملية التعليمية أو البلد؛ بل تقتصر هذه الاستفادة على قلة قليلة تلتف حول النظام وباقي الوطن هو الخاسر.
وعن رؤيته لما يحدث يقول: هذه الأمور لها تأثير في تعطيل الطلاب عن الدراسة وتضييع أوقاتهم، ولها تأثير سلبي على العملية التعليمية كلها، وحين يكون المناخ العام مليء بالدخان فإن الجميعَ يختنق، ولكن الطلاب اعتادوا على هذه الأجواء في ظل نظام لا يعرف إلا هذه الوسائل.
ويؤكد دياب أن الطلاب الفاعلين لن يوقفوا أنشطتهم، لكنه بلا شك سيعوق النشاط عمومًا على مستوى النشاط والعملية التعليمية، مؤكدًا أن الطلاب لم يقوموا إلا بمحاولة للحصول على حقهم الطبيعي والدستوري في إجراء انتخابات طلابية حرة وكذلك ممارسة أنشطتهم بكل حرية.
ويحدد سبب المشكلة قائلاً: إن التعامل مع الطلاب يتم الآن بعقلية رجل الأمن وليس بعقلية الأستاذ أو رجل السياسة، وبالتالي الجميع مدانون ولا صوتَ يعلو فوق صوت الأمن الذي يرى أن المبالغة في العقوبة يؤدي إلى ردع الطلاب الذين يمثلون مشكلة لرجل الأمن وإفزاع الباقين من حولهم من الطلاب.
ويرى دياب أنه بناء على ما سبق يصاب النشاط الطلابي والعملية التعليمية كلها بالشلل، وهذا كله يعتبر صورةً مصغرةً، مما يحدث للوطن ككل، فهل يستحق وطنيون شرفاء يساهمون في بناء اقتصاد البلاد أن يحاكموا أمام محكمة عسكرية حتى بعد أن برأهم القضاء؟ إن مشكلة النظام أنه يتعامل مع الجميع على أنهم خصومٌ على طريقة بوش "مَن ليس معنا فهو ضدنا"!.
ويضيف أنه ليس أمام الطلاب مَن بديل سوى التمسك أكثر بحقوقهم وهناك القضاء الشريف الذي ما زال أملنا فيه كبيرًا، وليس في مصلحة الطلاب أو الوطن انسحابهم أو توقفهم عن ممارسة أنشطتهم فهذا هو هدف النظام أصلاً، وينصح الطلاب بضبط النفس والاستمرار في ممارسة أنشطتهم كما اعتدناهم.
ويقول إن هناك دورًا نقوم به كأعضاء في البرلمان وقمنا بتقديم طلبات إحاطة ونقوم بمساءلة وزير التعليم بلجنة التعليم.
وعن رؤية البعض لأساتذة الجامعات واتهامهم بالتخلي عن الطلاب وتركهم بمفردهم أمام بطش النظام بهم قال دياب: ليس الجميع في سلةٍ واحدة، ويمكننا أن نُقسِّم أساتذة الجامعات وطريقة تناولهم لهذا الأمر إلى ثلاثةِ أقسام فهناك أساتذة شرفاء وقفوا مع الطلاب في ممارسة حقوقهم، بل وشارك في الإشراف على انتخابات اتحاد الطلاب الحر التي قام بها الطلاب ويشاركون في فعاليات الطلاب، ومن بعض نوادي أعضاء هيئة التدريس مَن يرفعون أصواتهم للمناداة باستقلال الجامعات، وهناك صنف آخر ارتضى لنفسه دور المخبر هذا الدور المهين طمعًا في شيء أو منصبٍ معين، والصنف الثالث هو السلبي الذي يكتفي بالمشاهدة.
جريمة لا تُغتفَر
من نفس النقطة ينطلق الدكتور يحيى القزاز - الأستاذ بكلية العلوم جامعة حلوان وعضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات- قائلاً: بالفعل هناك أساتذة تخلوا عن أبنائهم الطلاب، ولكن منهم مَن تخلَّى مرغمًا حرصًا على وضعه ولقمة عيشه وآخر تخلَّى طواعية لينال منصبًا أو تصيبه ترقية، ولكن هذا لا ينفي وجود أساتذة ساندوا الطلاب في مطالبهم ووقفوا معهم وساندوهم، وكان لمجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات مواقف كثيرة في هذا المجال.
بعض أساتذة الجامعة أثناء إشرافهم على انتخابات الاتحاد الحر
ويضيف د. القزاز أن إدارات الجامعات إذا عرفت أن هناك من أساتذة الجامعات من يناصر الطلاب أو يقف معهم فإنها تحاول أن تنال منه وتجعله عبرة لمَن يعتبر، وهذا قد حدث وتكرر في كثيرٍ من الجامعات المصرية في الآونة الأخيرة.
ووصف د. القزاز بعض العمداء ورؤساء الجامعات الذين يقومون بهذه الأمور بأنهم أساتذة لا يحتوون قلوبًا أو خلايا حيةً، بل هي خلايا ميتة وأحجار، وهؤلاء لا يمتون للإنسانية بصلة، وأضاف أن ما يقومون به في حق الطلاب جريمة لا تُغتفَر ولو كانت هناك محاكمات لحوكموا وسُجنوا على الأقل ثلاث سنوات.
وألمح د. القزاز إلى سبب معاناة بعض أساتذة الجامعات في موقفهم مع الطلاب في مثل هذه الحالات قائلاً: أساتذة الجامعات لديهم معاناة أكثر، فأغلبهم يعيش تحت القهر والقمع منذ 40 سنة، وبالتالي فليس أماهم إلا الانزواء!.
وحول تجربة الاتحاد الحر كبديلٍ طرحه الطلاب قال د. القزاز: هذا رد إيجابي من الطلاب فهم لم يكتفوا بمجرد الرفض بل بحثوا وعملوا على إيجاد البديل، وبالتالي هي إيجابية يشكرون عليها، وأضاف أنها تجربة عظيمة تفتح مجالاً للتفكير وإن لم يفكر فليخجل إن لم يشارك أو فلينسحب.
وأشار إلى أن الطلاب في هذا الأمر تفوقوا وصنعوا أشياء أتمنى من المجتمع كله أن يحذوا حذوهم، فنتمنى أن نرى مجلس شعب حر وحكومة حرة ورئيس جمهورية حر؛ بل نتمنى لو كان لدينا نادي أعضاء هيئة تدريس حر، لو كان لدينا أساتذة أحرار.
وفي نفس الوقت يحذر د. القزاز من أن الزخم الإعلامي الذي أحدثته هذه التجربة سلاحٌ ذو حدين، فهو قد قتل اتحاد الطلاب الحر، فوسائل الإعلام قد تابعت مولد الاتحاد الحر ولكنها بعد ذلك تخلَّت عن متابعة ما قد يقدمه الطلاب بعد ذلك، وعندما تعجز المتابعة يتحرك مَن يمارس البطش بالطلاب، وإذا قلَّت المتابعة الإعلامية زاد بطش النظام لسبب بسيط وهو أنه "نظام يخاف ما يختشيش"!.
ونفى د. القزاز أن يكون ما يفعله النظام مع الطلاب نوعًا من تصفية الحسابات، فتصفية الحسابات لا تكون إلا بين الأنداد، وهؤلاء أبناؤنا وتلاميذنا وليسوا أندادًا أو أعداءً للنظام، وعلى إدارات الجامعات أن تلفت نظرهم إن أخطأوا وهم لم يخطئوا، ونحن للأسف لم نعد نُفرِّق بين التوجيه وتصفية الحسابات، وأصبحت الترقية أو المناصب تُمنح وتُقاس بقدر ضغطك على المعارضين للنظام.
ويرى أن ما يحدث يمكن أن يدخل في إطار تصفية الحسابات الجارية بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين في طلابها، فهم أكثر الطلاب الذي يتعرضون لهذه العقوبات.
كما أنها محاولةٌ من جانب إدارات الجامعات لإرضاء النظام بالضغط على عضلةٍ ضعيفةٍ في جسد الأمة وهي الطلاب، وهم يرون أن التصفية الداخلية مع الطلاب أفضل بالنسبة لهم لأنها تصفية من المنابع.
وحول تأثير مثل هذه العقوبات على الطلاب أكد د. القزاز أن لها تأثيرًا معنويًّا قويًّا؛ فهي تقتل الانتماء والولاء للدولة، خاصةً في مرحلة المراهقة، وهي مرحلة تكوين ومرحلة شد وجذب، ونستطيع فيها أن ننمي جانب الخير والشر في الطالب.
وأضاف أن فترة الجامعة هي فترة تشكيل الشخصية، فإما أن تُخرِّج لنا مواطنًا صالحًا يحب وطنه ويريد خدمته أو تُخرِّج لنا مواطنًا يكره بلده ولا يكون له أي ولاء.