سيد قطب كان إسلاميا قبل أن يصبح إخوانيا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيد قطب كان إسلاميا قبل أن يصبح إخوانيا


الأستاذ سيد قطب

أنتج تحول سيد قطب (1906- 1966) إلى التوجه الأصولي تحولات بنيوية عميقة في الخطاب الإسلامي المعاصر، فكريا وحركيا في الآن نفسه، كما أنتج مدرسة تنتسب إليه يسميها البعض "القطبية" تم تبنيها واتسع تأثيرها في الساحة الإسلامية المعاصرة بامتداد العالمين العربي والإسلامي، والتي يعد معلمها كتابه الأخير "معالم في الطريق" الذي يراه البعض- مثل جيل كيبل- أهم ما كتب بالعربية في الأعوام الخمسمائة الأخيرة من حيث التأثير والأثر!

لكن رغم كثرة الكتابات التي سجلت تاريخ سيد قطب وتطوره الفكري، إلا أن هناك خطأ شائعا سيطر عليها وهو قولها بحدية تحوله الإسلامي، وتصويره كأنه تحول من الإلحاد أو اللادينية إلى الإسلام، أو من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ وهو ما يعضده قول سيد قطب نفسه: "ولدت عام 1951" أي عام انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين، التي استقبله شبابها في ميناء الإسكندرية بعد عودته من الولايات المتحدة، وما لبث أن اتصل بمرشدها الثاني حسن الهضيبي طالبا انضمامه لتنظيمها، أو لدعوة الإسلام بتعبيرات عبد الله عزام.

مثل هذه التعبيرات وغيرها جعلت البعض يرون أنه كان علمانيا متشددا في علمانيته قبل هذا التحول الذي يراد له أن يبدو جوهريا ومضادا كليا، أو في أقل الأحوال "محسوبا على العلمانيين" كما يؤكد الشيخ القرضاوي، وإن اتفق معنا أن الدليل الوحيد على هذه العلمانية وهو قصة دعوته للعري ورفض الحجاب لا أصل لها، ولا نعرف من أين استقى مروجوها معلوماتهم.. لكن نرى أن تعبير سيد قطب ليس أكثر من إنشاء بلاغي؛ فقد كان سيد قطب في مرحلته الأولى إسلاميا مستقلا، شأن كثيرين كانوا يطلقون الدعوات دون أن يقودوا التنظيمات، بل لم تكن علمانيته أو تنوره بدرجة علمانية أستاذه العقاد الذي قطع سيد قطب معه منذ أواسط الأربعينيات، بعد أن أهمل العقاد كتبه وتأليفاته التي بدأها سنة 1945، كما لم يعلق عليها وهو ما أصاب سيد بحسرة وحزن بثه لأحمد حسن الزيات في رسالة له، قطع بها سيد مع الجيل السابق عليه، مصرا على التحقق المستقل.

بدأ سيد قطب نشر كتبه سنة 1945 بكتابيه: "التصوير الفني في القرآن" في نفس العام، وقد أهداه إلى أمه، و"مشاهد القيامة في القرآن" في العام التالي، وقد أهداه إلى روح أبيه، وفي مقدمة الكتاب الأول يشير إلى أن روح أمه المتدينة قد طبعته بطابعها، وفي تقديمه كتابه الثاني" مشاهد القيامة في القرآن" يذكر أنه قد تربى في مسارب نفسه الخوف من اليوم الآخر من خلال الكلمات والتصرفات التي كانت تنطلق من والده من خلال ممارسته أعماله اليومية، والقيام بضرورياته من طعام وشراب وغيرها، فتركت شخصية الوالدين بصماتها واضحة على قلبه؛ هكذا سيد منذ أول كتبه الإسلامية، ومن الكتابين خرج بتصوره لكتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" الذي ألفه قبل سفره وعهد لأخيه محمد قطب بطبعه؛ وهو ما حدث سنة 1949 أثناء وجوده في أمريكا!

كان كتاباه الأولان تمهيدا لكتابه الثالث "العدالة الاجتماعية في الإسلام" الذي اعتبره الإخوان ممثلا لهم ومعبرا عنهم، واعتبره الشيوعيون بداية حرب ضروس عليهم، ورغم ذلك يصر البعض على وصم ووصف المرحلة السابقة له بأنها كانت علمانية محضة أو شاملة! لا مكان للدين فيها، كما يتحفظ البعض على هذه الكتب مثل تيار السلفية الجهادية مكتفية باعتمادها على كتابات السجن والحاكمية فقط.

لذا نود أن نورد هنا عددا من الدلائل التفصيلية التي تدل على ما ذهبنا إليه من أن سيد قطب كان إسلاميا مستقلا قبل أن يكون إسلاميا تنظيميا منضما لجماعة الإخوان المسلمين، بل نفترض أن هذا المفكر المتوحد لو أطال الله عمره ما انتهى إلى غير الاستقلال والبعد عن التنظيمات؛ نظرا لتوحده وتأويله الخاص الذي يرفض فيه سطوة الشيخ أو الأستاذ فضلا عن الإسناد.

أولها: معركة مستقبل الثقافة في مصر:

وهو ما يتضح كذلك في نقده لكتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" سنة 1937 الذي يأتي نقدا هويّاتيّا وثقافيا إسلاميا مضادا لتوجهات مؤلف الأيام؛ وهو ما حدا بجريدة الإخوان المسلمين أن تتبناه وتنشره على صفحاتها كرأي رسمي معبر عنها، في وقت رئاسة طنطاوي جوهري لتحريرها، فالتحام سيد قطب بفكر الإخوان المسلمين والتقاؤه بمواقفهم أقدم بما يزيد على عقد من انضمامه الرسمي إليهم.

ثانيها: معركة "هذه هي الأغلال" سنة 1946:

في عام 1946 نجد سيد قطب منخلعا كلية من جلباب العقاد، موجها نقدا عنيفا لكتاب عبد الله القصيمي "هذه هي الأغلال" الذي اتفق العقاد مع مقاصده وأثنى عليه وعلى مؤلفه وإن اختلف معه في تفاصيله، نجد سيد قطب في مقال له بجريدة السوادي القاهرية 11-11- 1946 -ويلاحظ أن مقال سيد قطب هذا قبل سفره لأمريكا وقبل انضمامه للإخوان المسلمين- يتهمه بالمادية والإلحاد، والرغبة في طمس وتشويه الإسلام وتاريخه، وأنه يخفي نوايا سيئة تجاهه، ويرفض مواقف القصيمي تجاه المرأة وحقوقها وتعليمها، كما يتهم صاحبه بأنه جزء من مؤامرة أكبر على هذا الدين؛ مما يؤكد على موقف إسلامي مبكر قبل انضمامه للإخوان المسلمين.

ثالثا: سعي حسن البنا لضمه للإخوان المسلمين سنة 1947:

وهذا دليل فصل يضرب إشاعات فجوره وعهره قبل انضمامه للإخوان المسلمين في الصميم؛ فقد كان سيد قطب يشرف على تحرير جريدة "الإصلاح" سنة 1947 وكانت ذات اتجاه قريب بل متماه مع توجه الإخوان المسلمين؛ مما دعا ودفع حسن البنا المعجب به والمقدر لكتاباته المتفقة مع رؤى الإخوان لدعوته للانضمام لجماعته ما دام هدفه قد توحد مع هدفها ورؤيته مع رؤيتها، ولكن الشاعر المتوحد سيد قطب كان مؤثرا استقلاليته، واعتذر بلطف عن الانضمام للجماعة، مؤثرا أن يبقى مستقلا كما كان، ولكن بعد وفاة حسن البنا وعودته من أمريكا يبدو أن الطريق كان خاليا لا ليكون عضوا ولكن ليكون منظرا وقائدا معيدا هيكلة الجماعة نظريا وعمليا في الآن نفسه.

المدخل الرسالي:

كان أول بحث كتبه سيد قطب ونشره سنة 1933 في سنة تخرجه من دار العلوم، هي كتابه "مهمة الشاعر في الحياة" يلح فيها على دور الشاعر في الإصلاح والبناء ومهمة الالتزام والاتحاد بهوية الأمة وأهدافها، فلم تكن هذه الدلائل وغيرها كثير تجعلنا نؤكد على أن سيد قطب لم يكن كما أراد البعض تصويره، وأن التحولات الأهم في مساره الفكري ليست تلك التي سبقت انضمامه للإخوان المسلمين، ولكن تلك التي تمت بعد انضمامه إليهم، التي تبدأ من عام 1951م حتى كتابته "معالم في الطريق" سنة 1965م، التي تحول فيها إلى منظر للحاكمية والانقلاب الإسلامي عربيا كما كان المودودي باكستانيا.