على مشارف ذكرى نهر البارد الرابعة
بقلم : أركان بدر
في العشرين من أيار ( مايو ) عام 2007 اندلعت المعارك التي دارت رحاها على أرض مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومجموعة إرهابية أطلقت على نفسها اسم حركة « فتح الإسلام »، والتي استفادت من حالة التجاذبات اللبنانية والانقسام الفلسطيني والصراعات الإقليمية والدولية وهي ظاهرة خارجة عن النسيج الوطني والاجتماعي لشعبنا.
حيث وقف الجانب الفلسطيني شعبياً وسياسياً ورسمياً موقفاً لصالح الدولة اللبنانية بكل مكوناتها، وقد خرج أبناء المخيم منه تسهيلاً لعملية القضاء على هذه الظاهرة. على وقع وعود الحكومة اللبنانية بان «الخروج مؤقت والعودة مؤكدة.. الأعمار محتم».
وفي الأول من أيلول ( سبتمبر ) من العام نفسه انتهت المعارك بتحقيق نصر لبناني ـ فلسطيني مشترك رغم الخسائر الجسيمة التي دفعها الشعبين في الأرواح والممتلكات.
والتي أدت إلى تدمير شامل للجزء القديم من المخيم وتدمير جزئي للجزء الجديد منه حيث فقد أبناء المخيم جنى ستين عاماً من عمر النكبة.
وبعد أربعة أشهر من انتهاء المعارك عادت أول قوافل النازحين إلى أماكن الإيواء المؤقت التي لا تصلح لحياة آدمية في حاويات معدنية تتحول إلى فرن صيفاً وبراد شتاءً وإلى ما تبقى من أملاكهم ومنازلهم المدمرة في الجزء الجديد في ظروف اجتماعية وحياتية وأمنية غاية في التعقيد.
وفي الثالث والعشرين من شهر حزيران ( يونيو ) من عام 2008 ، انعقد في فيينا مؤتمر الدول المانحة لإعادة إعمار المخيم بمشاركة الأطراف المعنية وعدد من الدول المانحة.
ولقد شكل هذا المؤتمر خطوة هامة جسدت الإرادة الدولية والقرار السياسي بإعادة الإعمار، وقد طالب الجانبان الفلسطيني واللبناني من المانحين تقديم 445 مليون دولار لإعادة الإعمار منها 277 مليوناً للمخيم القديم، و122 مليوناً للجديد و46 مليوناً لتأهيل القرى المجاورة.
وقد ساهمت الدول المانحة بمبلغ 120 مليون دولار وهو مبلغ لا ينسجم مع الحد الأدنى المطلوب، فيما تعهدت دول خليجية وعربية وأجنبية بالمساهمة لاحقاً وهو تعهد طال انتظاره. وقد برز موقف لافت لممثل الحكومة اللبنانية في اجتماع الدول المانحة مع الـ(أونروا) بتاريخ 22/4/ 2010 ، حين قال بأن الأموال المرصودة اقل بكثير من المطلوب بسبب سوء التقدير، كما أن الوقت الزمني المطلوب لإنهاء عمليات الأعمار أكثر بكثير من ثلاث سنوات، وهو ما يشير في الأفق إلى تعقيدات جديدة أمام عمليات الأعمار.
في شهر كانون الأول ( ديسمبر ) من العام 2009 بدأت عجلة الإعمار في مخيم نهر البارد بعد أن تجاوزت كل العراقيل المفتعلة وأهمها ما سُمي بالآثار وذلك بفعل التحركات الجماهيرية العارمة. وبدأ العمل في الرزمة الأولى على يد شركة جهاد العرب.
وقد أعلنت الأونروا بلسان مديرها العام وعبر بياناتها المتكررة بأن تسليم الرزمة لأصحابها سيتم يوم 15/11/ 2010 ، ولم يحصل ذلك، ثم تعهدت بأن يتم التسليم يوم 30/12/ 2010 وأيضا لم يتم الالتزام بهذا التعهد، ثم أعلنت بأن التسليم الجزئي لقسم من وحدات الرزمة (بلوك N2) ويضم عدداً من المنازل لا تزيد عن سبعين وحدة سكنية وجاء الموعد المحدد ولم تلتزم بذلك مع تأكيدها بان التسليم سيتم يوم 15 نيسان الجاري، ورغم إصرارنا على ضرورة تحديد موعد مُلزم لتسليم الرزمة الأولى مع الموافقة على مرحلية التسليم التدريجي للوحدات التي يتم الانتهاء من إعمارها، حيث أكد المدير العام في اجتماعه الأخير مع الفصائل يوم 24/3/ 2011 ، بأن يتم التسليم للأجزاء الأخرى نهاية شهر أيار ( مايو ) المقبل.
إن المماطلة في إنجاز عملية الإعمار مرده إلى عجز الـ(أونروا) إلزام الشركات المتعهدة بدفتر الشروط وهو ما يثير علامات استفهام عديدة حول الأسباب والدوافع هل هي إدارية مرتبطة بسوء التنفيذ وضعف الإدارة وقلة الخبرات؟
أم لها خلفيات وأبعاد سياسية؟
أم وراء الأكمة ما وراءها؟.
واليوم ونحن على مقربة من نهاية العام الرابع لمأساة المخيم ومرور ما يزيد عن عام وثلاث شهور على بدء عملية إعمار الرزمة الأولى وأكثر من سبعة شهور على البدء بالرزمة الثانية، نتساءل بلسان أبناء المخيم، هل سيتم الالتزام بمواعيد التسليم؟
الجواب على هذا يأتي من ميدان العمل، لأن الإعمار يسير بشكل سلحفاتي لا يراعي حجم المأساة ولا يرقى إلى مستوى آلام أبناء المخيم وصرخات أطفاله وآهات الثكالى وأنين العائلات ونزوحهم وإقامتهم في أماكن لا تصلح لحياة آدمية ولا يقبلها بشر، كما إن المنجز من إعمار لا ينسجم مع إمكانيات شركات كبرى بإمكانها إعادة إعمار كل المخيم برزمه الثماني في غضون عام أو أكثر قليلاً، وهذا ما حصل على سبيل المثال للعديد من القرى المهدمة كلياً في الجنوب بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان.
الملاحظات الفنية
أثناء عملية إعمار الرزمة الأولى برز العديد من الملاحظات الفنية المتعلقة بمساحات الوحدات السكنية، عدد الغرف، المداخل، الإدراج، الشرفات، المواصفات، نوعية وجودة المواد ...الخ,
وكان من المفترض أن يشرف على عملية الإعمار من الجانب الفلسطيني الهيئة الأهلية للدراسات وإعادة الأعمار، التي لعبت دوراً هاماً في انجاز المخطط التوجيهي للمخيم وفي التصاميم ..الخ,
لكن ثمة إشكالية داخل الهيئة الأهلية أدت إلى توقف عملها ، مما أدى إلى تفاقم الملاحظات الفنية التي جرت مناقشتها في اجتماع مع المدير العام للأونروا في البداوي بتاريخ 20/1/ 2011 وآخر بين لجنة الملف والمدير العام في مكتب لبنان بتاريخ 28/1/ 2011 ومؤخراً بين الفصائل واللجان الشعبية مع إدارة المنطقة وفريق الهندسة بتاريخ 31/1/ 2011 وذلك من اجل وضع حد للتجاوزات التي نوردها بالتالي:
معالجة مشكلة مساحات البيوت لأن بعضها لا يزيد عن 37 متراً مربعاً، وأكبرها لا يزيد عن سبعين متراً مربعاً إلا ما ندر، وإذا كان ذلك مستحيلاً في الرزمة الأولى، يجب استدراكه في الرزم الأخرى حتى لا تتحول المنازل إلى علب سردين تحكمها مساحة المخيم الضيقة التي ضاقت أكثر بسبب استقطاع مساحات منه لصالح الشوارع (لاعتبارات أمنية بحتة) على حساب مساحة البيوت والتهوية ودخول الشمس ومراعاة عدد أفراد الأسرة.
المصدر
- مقال:على مشارف ذكرى نهر البارد الرابعةالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات