عندما لا يكمن الشيطان في التفاصيل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عندما لا يكمن الشيطان في التفاصيل
علم فلسطين.jpg


بقلم : د. احمد جميل عزم

اتفقت "فتح" و" حماس "، وهذا سبب للسعادة، ولكن على ماذا اتفقتا؟.

هو بداية اتفاق، وعلى عكس الشائع، لا تسكن الشياطين تفاصيله، ولكن ربما تسكن مبادئه.

هو بداية اتفاق على الإجراءات الفعلية على الأرض، مع القفز عن المبادئ العامة التي تحكم الحياة السياسية الفلسطينية.

يقول محمود الزهّار إنّ لكل طرف مشروعه، الذي لن يتغير، ولكن هذا اتفاق لتسيير المرحلة المقبلة.

في بنود الاتفاق ترتيبات للحكومة، والانتخابات، والأمن، وحل قضايا المعتقلين، والمصالحات الاجتماعية، ولكن مبادئ العمل السياسي وقضايا المقاومة والمفاوضات أمور يجري تجاوزها، وهذا قد لا يكون خطأ، مرحليّا.

يريد محمود عباس المصالحة، لأسباب مختلفة، منها ما هو شخصي: يريد خوض معركة الأمم المتحدة بأقل قدر من الانقسام والمعارضة، ويريد توجيه رسالة للأميركيين والإسرائيليين أنّه هو، والفلسطينيين عموما، لديهم أوراق مختلفة.

وفي البعد الشخصي، يريد الخروج من موقع القيادة، وأن يفعل ذلك بأفضل إنجاز وطني ممكن يسجّل باسمه.

في المقابل، تدرك "حماس" وتستعد منذ شهور طويلة لطرح برامج عمل جديدة، ولطرح تصورات للمرحلة، وتريد ترتيب أوراقها الإقليمية والتنظيمية الداخلية، وأدركت أنّ الرهان على العامل الفلسطيني هو الأساس، وقبل الرعاة الإقليميين.

في اتفاق مكة، كان الطرفان غير جادين.

كانت الممانعة واضحة داخل المعسكر الفتحاوي لتطبيع الاتفاق على الأرض وداخل المؤسسات والوزارات.

وكانت المعلومات أنّ قادة داخل " حماس " مثل الزهّار، والشهيد سعيد صيام ، ليسوا متحمسين للاتفاق، وغير مقتنعين بأنّ العمل مع "فتح" ممكن. نرجو أن يكون الأمر مختلفا هذه المرة.

إذ إنّه إذا ترتبت القضايا الداخلية في كل معسكر، وكانت النوايا صادقة، يمكن توقع استمرار التفاهم على التفاصيل التي لم تحسم بعد، مثل تشكيلة الحكومة، ويمكن الانتقال إلى مناقشة القضايا الرئيسية.

قبل ذلك نتوقع غضبا وحربا إسرائيليين، وتحريضا للولايات المتحدة للضغط على السلطة الفلسطينية ماليا وسياسيا ودبلوماسيا، وربما تشديدا لحصار غزة، وعمليات استفزازية.

وهذا أمر يعرفه محمود عباس، وضمن استعداداته له ذهب إلى فرنسا وحصل على دعم أوروبي للمصالحة، ربما ليقلص بذلك جزئيا الضغط الأميركي المقبل، وآثاره. إلى ذلك ستشعر إيران و سورية أنّ البساط يسحب من تحت أقدامهما.

والمطلوب في كل الحالات تعاون فتحاوي – حمساوي، للخروج بأقل الخسائر، وأكبر قدر من الاستقلالية.

إذا، المهمة رقم 1 الآن، هي النقاش الذكي، وتوزيع الأدوار بكفاءة لمواجهة الاستحقاقات الدولية والإقليمية المقبلة، بأقل خسائر، ولتفادي أن تفجّر إسرائيل الموقف.

والمهمة رقم2، هي التفاهم على أدوات العمل في المرحلة المقبلة في مواجهة الاحتلال، وعلى وضع أسس بناءة لإدارة الخلافات المتوقعة بين الجانبين.

بمعنى أنّ الموقفين الرسمي والعملي من الكفاح المسلح، والمقاومة الشعبية، والمفاوضات، وخطط مواجهة إسرائيل، كلها قضايا يمكن التقارب بشأنها والتفاهم بدرجات محددة.

وهذه هي قضايا المبادئ العامة المطلوب نقاشها، والتي تسكنها الشياطين، وهذه يجري ترتيب أمرها بطريقتين؛ أولا، التوافق على إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، لتصبح إطارا ديمقراطيا ممثلا للشعب الفلسطيني بعيدا عن المحاصصة بين الفصيلين، ولتصبح إطارا لحسم مختلف القضايا. وثانيا، لا بد من ورش عمل ونقاش معمقة، وربما مغلقة، بين قيادات فكرية وسياسية من الجانبين، (في المرحلة الأولى على الأقل قبل إطلاق نقاش على مستوى القاعدة الشعبية)، لمناقشة قضايا وسائل العمل، وليس ضروريا التوصل لاتفاقيات أو رؤى مشتركة تماما، في هذه الورش/ الندوات، ولكن المهم أن يفهم كل طرف كيف يفكر الآخر، وأن يجري التعاون على تطوير العقل السياسي الفلسطيني.

ثم يجب الاتفاق على تداول السلطة، وإدارة الاختلافات السياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الانتخابات المزمعة قد لا تتم إذا وضع الإسرائيليون فيتو.


المصدر