قراءة متأنية في الانتخابات السودانية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قراءة متأنية في الانتخابات السودانية

الخرطوم- عبد الله الصادق:

مقدمة

الانتخابات السودانية

شهد السودان خلال الشهر الماضي انتخاباتٍ رئاسيةً وولائيةً وبرلمانيةً لأول مرة منذ أكثر من 20 عامًا، وهي انتخاباتٌ فريدةٌ وغير مسبوقة في مشاهدها كاملة، بدءًا من مرحلة التسجيل ومرورًا بمرحلة الترشيح، ثم الدعاية ثم التصويت، وانتهاءً بمرحلة إعلان النتائج، وهي انتخاباتٌ يصعب على غير المعايش لها أن يفهمها أو أن يحللها أو أن يرصدها بصورة دقيقة، ومن هنا فإن أي تناول لانتخابات السودان من غير فهم لطبيعة السودان- سواء الآن أو قبل وجود البشير على رأس السلطة- سيكون تناولاً سطحيًّا، ولذلك لا بد من القراءة المتأنية لتلك الانتخابات وفق معطيات الواقع السوداني والخريطة السياسية السودانية.

ولقد حاول البعض مؤخرًا أن يكتب عن تلك الانتخابات، ولكن نظرًا لجهل هؤلاء بتلك المعطيات فقد شابت كتاباتهم أخطاء كثيرة ومغالطات واضحة ما كان يجب أن يقع فيها أبسط كاتب أو محلل أو متابع للساحة السياسية السودانية، من أجل ذلك كانت تلك الوقفات.

نبدأ من المفوضية القومية للانتخابات، وهي لجنة تمَّ تشكيلها من ترشيحات وافقت عليها كافة أحزاب المعارضة، بل وكانت الموافقة مكتوبةً وموقعًا عليها، ورئيس تلك المفوضية أبيل ألير مسيحي من الجنوب، وهو قاضٍ من القضاة الدوليين بمحكمة لاهاي، ورئيس اللجنة الفنية يعدُّ من المقربين والمحسوبين على حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، ويكفي العلم أن المؤتمر الوطني لم يرشِّح عضوًا يمثله في هذه اللجنة؛ ما يعد ذكاءً منه حتى لا يبقى لأحد فرصة للطعن فيها، ويقال إن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر كان له دور في تشكيل تلك اللجنة.

أحزاب المعارضة..

أقواها حزب الأمة والاتحادي وهي أحزاب تاريخية فقط؛ حيث إن الواقع يقول إن آخر انتخابات شاركت فيها تلك الأحزاب كانت في 1986م، ثم انفصلت عن الساحة السياسية منذ تلك الفترة، وبالتالي فلا وجود ولا وزن لها في أرض الواقع؛ حيث إنها أحزاب انقطعت عن الساحة السياسية وعن الجماهير 20 عامًا، وفقدت بالتالي أي تواصل جماهيري، وحينما ذهب الصادق المهدي إلى أماكنه التقليدية استُقبل بالحجارة وارتدَّ على أعقابه، ومن ناحية أخرى فإن هذه الأحزاب أحزاب قبلية وعائلية وعشائرية، وقد وقع بينها تناحر فتمزقت وانبثق عن الحزب الواحد حزبان آخران على الأقل؛ ما يعني تفتيت البقية الباقية من مؤيديه التاريخيين والقبليين.. هذان الحزبان وإن كانا يمثلان الطريقتين المهدية والختمية الإسلاميتين، إلا أنهما فقدا الصوت الاسلامي بعد اتفاقهما مع مجموعة أحزاب جوبا (الشيوعيين ونصارى الجنوب)؛ ما أفقدهم المزيد من الأصوات أيضًا.

انقسام الساحة السودانية إلى مجموعتين من الأحزاب الإسلامية، مجموعة تنادي بالشريعة وتحرص عليها وتضم (المؤتمر الوطني والإخوان المسلمين وأنصار السنة) ومجموعة ألقت بنفسها في أحضان أحزاب جوبا وتضم (الأمة والاتحادي والشعبي)؛ ما أوجد لدى الجماهير انطباعًا سيئًا عن المجموعة الثانية فمالت أصوات الناخبين لاختيار المجموعة الأولى.

الحركة الشعبية..

ما زالت تعاني من الانقسام الداخلي فيما بينها بين مجموعتين؛ مجموعة رئيس الحركة سيلفا كير والذي يرى السير وفق اتفاقية نيفاشا وتحقيق السلام واقتسام السلطة مع المؤتمر الوطني، ومجموعة سياسة جون قرنق، والتي تضم باقان الأمين العام وعرمان نائبه، وهي سياسة عدوانية تجاه الشمال، وتهدف إلى السيطرة عليه ومحو إسلاميته، وقد ظهر الخلاف بين المجموعتين جليًّا في الانتخابات، حينما وافقت المجموعة الثانية على نزول مرشح للرئاسة ضد الرئيس البشير، في حين رفض سيلفا كير ذلك، وأعلن سحب مرشحه للرئاسة بعد تهديد البشير له.

وفي نفس الوقت أعلنت المجموعة الثانية انسحابها من كل الانتخابات في شمال السودان، ورد عليهم سيلفا بعدم انسحاب الحركة، وكان لهذا الانقسام أثره على الحركة في الشمال، إضافةً إلى أن الحركة لا وجود لها حقيقةً في الشمال سوى القلة من أصحاب الفكر الشيوعي واليساري والاشتراكي وبعض العلمانيين، وياسر عرمان- الذي رشِّح للرئاسة باسم الحركة الشعبية- مكروهٌ شمالاً وجنوبًا، وغير مقبول لدى الكثير من أنصار الحركة الشعبية نفسها.

البشير..

بدايةً لا بد من الاقتناع أن البشير رقم صعب لا يمكن تجاوزه، ولا مجال للمقارنة بينه وبين المرشحين الـ11 الآخرين، فهو الرجل الأنقى والأطهر يدًا، والمحبوب من شعبه، والبسيط والمتواضع، والموجود في كل الفعاليات الشعبية أفراح ومآتم.. إلخ، وقد اكتسب البشير تأييدًا شعبيًّا جارفًا بعد قضية أوكامبو وبعد ضرب مصنع الشفاء وبعد الحصار الذي فُرض على السودان، والبشير أحدث نقلةً في السودان لم تحققها الحكومات السابقة عبر تاريخ السودان كله، وزائر السودان قبل البشير وزائره اليوم سيجد الفارق في كل مجالات الحياة والبنية التحتية وظروف المعيشة.

البشير دخل الانتخابات برصيد شعبي لا ينافس، وقام بجمع كافة الاتجاهات الاسلامية حوله؛ بما فيها أحزاب المعارضة نفسها، فقد أعلن الكثير من أنصار الأمة والاتحادي والشعبي تأييدهم للبشير، ورفضهم للمؤتمر الوطني، وكان أبناء الميرغني يمشون في جولات البشير الدعائية، ونزل البشير مرشحًا للرئاسة باسم المؤتمر الوطني والإخوان وأنصار السنة، في إشارة إلى دعمه الكامل من كل تلك القوى الإسلامية، وذلك نظرًا لطهارة يده، وسلامة مقصده، وأفضليته على كل المرشحين، إضافةً إلى كسبه تأييد كافة الطرق الصوفية والتي تمثل غالبية الشعب السوداني، والبشير طاف بكل الولايات السودانية ونزل إلى الجماهير في كل مكان وأخذ البيعة العلنية منهم.

المؤتمر الوطني..

هو الحزب الحاكم، وهو يمثل الحركة الاسلامية التي كان يقودها الترابي قبل أن ينقلب عليه، ويشكِّل حزبًا معارضًا، والمؤتمر الوطني هو الحزب الوحيد الذي لعب على الساحة بشكل جيد واستثمر ما أتاحته له السلطة من إمكانياتٍ قرَّبته من الجماهير، وتحرَّك بشكل دقيق ومنظَّم، وأعدَّ عدته للانتخابات من وقت توقيع اتفاقية نيفاشا، وأحسن الاستغلال لها، وإن كانت على بعض قياداته تحفظاتٌ واتهاماتٌ بالفساد المالي والإداري إلا أنه اكتسب شعبيةً أخرى بوجود البشير على قمة هرمه؛ ما دفع أحد الصحفيين المحسوبين على المؤتمر الوطني بأن يقول إن نسبة التصويت للحزب الحاكم كانت بنسبة 89% بسبب وجود البشير على قمة الحزب.

الإخوان المسلمون..

شارك الإخوان في الانتخابات بعدد لا يتجاوز الـ140 في جميع الدوائر، وفاز منهم المراقب العام فقط، فقد كان من أهدافهم إثبات الوجود وأنهم على الساحة ولهم تأييد شعبي، إضافةً إلى كسب أفرادهم خبرة ممارسة العملية السياسية لأول مرة، وكان ترتيب الإخوان في كافة الدوائر الثاني بعد المؤتمر الوطني، رغم الفارق الكبير في الأصوات، وهي تجربة سيستفيد منها الإخوان على كل حال لمعالجة أخطائهم في تلك التجربة ودراسة واقعهم بشكل جيد، فقد أثبتت الانتخابات أن الواقع شيء والحلم شيء آخر، والإخوان حليفٌ مشاركٌ في الحكومة السابقة، وربما يشاركون أيضًا في الحكومة المقبلة.

الناخبون السودانيون..

60 % من الناخبين إما وُلدوا أو ترعرعوا في ظل حكومة الإنقاذ، ولم يسمعوا أو يعرفوا شيئًا عن التجربة السابقة للأحزاب، وبالتالي كانت النسبة الأغلب منهم في الولايات الشمالية مع البشير والمؤتمر الوطني، حتى بلغت النسبة 89%، وهي نسبة عالية في ظل تنافس العدد الكبير من الأحزاب، والناخب السوداني عاش حريةً غير مسبوقة، فلم يُمنع أحدٌ من المشاركة أو التصويت، ولم يُضغط على أحد ولم يُملَ عليه في الاختيار، ولم يُقبض على أحد ولم يُعتقل أحدٌ، ربما كانت صعوبة العملية الانتخابية وتعقيداتها هي المعوِّق الأوحد أمام الناخب السوداني.

شفافية الانتخابات..

شهد بها كل المراقبين الدوليين، وأقصى ما قيل عن تهم لهذه الانتخابات أنها لم ترق للمعايير الدولية، ولم يستطع أحد أن يثبت وجود شبهة طعن مادي في تلك الانتخابات سوى بعض المخالفات والأخطاء الفنية التي تمَّت معالجتها، وعلى إثرها قامت المفوضية بمد فترة التصويت يومين آخرين، وتأجيل بعض اللجان لظهور تلك الأخطاء بها.

وأما عن شبهة تزوير الانتخابات فهذه شبهة واهية، وليس هناك ثمة عاقلٌ يمكن أن يشكَّ في نزاهة الانتخابات، وذلك لعدة أسباب، منها: التزوير سيكون ممن؟ ولصالح من؟ وضد من؟

وليس هناك تنافسٌ مع أحد..

البشير والمؤتمر الوطني كما أسلفت لا مجال للتنافس معهما، ومن ناحية ثانية فإن التصويت يتم في صناديق شفافة وبطاقات التصويت لها "سريال نمبر" أرقام متسلسلة، يستحيل تزويرها وتبديلها؛ لأنه لا أحد يعرف أرقام البطاقات في هذه الدائرة أو تلك حتى يغيِّرها ويأتي ببديل لها، بل إن أفراد المفوضية أنفسهم لا يعرفون تلك الأرقام، إضافةً إلى أن كل لجنة كان بها ممثلون عن الأحزاب يتراوح عددهم ما بين 6: 12 داخل المركز الواحد، وكانوا يبيتون داخل المراكز، كما أن الفرز كان يتم داخل تلك المراكز؛ بمعنى أن الصناديق لم تنقل من مكانها إلى مكان آخر بما لا يدع مجالاً لتغييرها عند النقل.

هذه إطلالة سريعة على الانتخابات السودانية من أجل تصحيح الأخطاء التي وقع فيه الكتاب والصحفيون الذين قرءوا الانتخابات قراءةً خاطئةً وفق معلومات قاصرة ومعطيات غير دقيقة، ولنا وقفة تحليلية أخرى حول دلالات تلك النتائج الانتخابية ومستقبل التحالفات السياسية السودانية في مرحلة ما بعد الانتخابات.

المصدر