قراء عسكرية، أولية، في العدوان الإسرائيلي على القطاع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قراء عسكرية، أولية، في العدوان الإسرائيلي على القطاع

بقلم : محرر الشؤون العسكرية "الحرية"

منذ اليوم الثاني، بدأ العدوان الإسرائيلي يكشف عن سلسلة أهدافه العسكرية السياسية في قطاع غزة.

وإن كان بعضهم بات مكشوفاً منذ ما قبل العدوان، فإن ما يتم الكشف عنه تدريجياً، ينبأ أن إسرائيل تنوي تحقيق متغيرات في القطاع، تسهم في إعادة صياغة العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية لتصبح مختلة، أكثر فأكثر لصالح الاحتلال والاستيطان، ومشروع التسوية كما تطرحه زمرة تل أبيب. الأهداف

    • في الغارات الجوية طوال يوم السبت، وقبل ظهر يوم الأحد، هدفت إسرائيل، مستغلة سلاح طيرانها وسيطرتها الكاملة على أجواء القطاع، وافتقار المقاومة إلى المقاومات الأرضية، إلى تحقيق سلسلة من الأهداف من بينها:

تدمير البنية التحتية ل حركة حماس بشكل خاص ولفصائل المقاومة بشكل عام، من خلال قصف وتدمير المقرات والثكن ومراكز تجميع المقاتلين ورجال الشرطة بما يقود إلى بعثرة هذه القوى، ومنعها من التجمع وزرع الفوضى في صفوفها، وإضعاف روحها المعنوية وتدميرها من خلال إيقاع أكبر الخسائر في المباني والعنصر البشري.

وفي السياق نفسه تدمير الآليات ومراكز الاتصال والسيطرة، وغرف العمليات العسكرية ومخازن الذخيرة، والعتاد والتموين، ومراكز الصيانة وتطوير الأسلحة من مخارط وورش حدادة وغيرها.

بحيث تفقد المقاومة نقاط تجمعها

  • الآمنة، ومراكز انطلاقها نحو مهماتها وقدراتها على التحرك السريع بما يلبي ضرورة الرد على أي اختراق على أي من محاور القتال.
  • إيقاع خسائر في صفوف المدنين، والإدعاء بأن ذلك سببه هو انتشار مراكز المقاومة ومجموعة المقاتلين في الأحياء السكنية، بما يحرض السكان على المقاومة، فإلى جانب إظهارها فاشلة في القدرة على الرد على القصف الجوي المدمر، تحميلها مسؤولية الأضرار البشرية والمادية التي تلحق بالمدنيين، وبحيث تحفر هوة بين المقاومة وعمقها البشري؛ وبما يدفع المواطنين إما للهرب من حول المقاومين، أو الطلب إلى المقاومين مغادرة مراكزهم نحو مناطق خالية، وبما يمكن العدو من الاستفراد بهم.
  • مطاردة القيادات الميدانية عبر استهداف منازل سكناها بعمليات قصف جوي مدروسة ومستندة إلى معلومات استخبارية. وهو ما يقود إلى ضرب المفاصل القيادية الميدانية، وشل قدرة المقاومة على التحرك، كما يقود إلى إضعاف الروح المعنوية للمقاتلين والمواطنين، وبحيث تبدو المقاومة مكشوفة أمام استخبارات العدو، الأمر الذي يضعف ثقة الناس بمدى جديتها وحرصها على أمنها وأمن المواطنين بشكل عام.
  • مطاردة مجموعات القصف الصاروخي والمدفعي بالطيران المروحي، وإطلاق الخسائر في أطقمها وإضعاف قدرتها على الرد، بحيث تبدو المقاومة عاجزة عن الوفاء بوعودها أمام شعبها، وتنفيذ إنذاراتها للعدو.
  • فرض شريط حدودي في شمال القطاع، بقوة النيران، لإبعاد مرابض المدفعية والصواريخ إلى الوراء، وبحيث تصبح مضطرة للاحتماء بالمناطق السكنية، بكل ما في ذلك من تداعيات في العلاقات الداخلية، وبحيث تصبح، كذلك، عاجزة عن الأهداف الإسرائيلية «الثمينة» في العمق الإسرائيلي و بحيث يتحول القصف الفلسطيني، إذا ما استمر، مجرد مفرقعات تنفجر في المناطق الإسرائيلي الخالية من السكن.
  • ضرب الأنفاق بين القطاع و سيناء بذريعة أنها معابر لتهريب الأسلحة بحيث تزداد حدة الحصار، وتغلق أمام القطاع المنافذ التي كان منها يعوض بعض احتياجاته من مواد تموينية وغيرها.
  • الإعلان الصريح عن قرار بتصفية القيادات الأولى السياسية والعسكرية، بحيث تضطر للاختفاء، والنزول تحت الأرض بما يحدثه ذلك من إرباك وإرهاق لأجهزة الحماية، ويغيب القيادات عن ميادان المعركة، وبحيث تفتقر الحالة الشعبية إلى القيادات تزورها في أماكن لجوئها، تواسيها، وتؤازرها، وترفع من معنوياتها. وبحيث تغيب، هذه القيادات أيضاً، عن ميادان المعركة، مما يولد لدى المقاتل إحساس بالاغتراب، وبالخطر الذي يتعرض له، بينما قياداته تعيش في مناطق بعيدة عن الخطر.

إضعاف الروح المعنوية إن من شأن جملة هذه الأهداف أن يضعف الروح المعنوية وأن يضعضع الجبهة الداخلية، خاصة وأن وقوع هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى من شأنه هو أيضاً أن يزرع الرعب في النفوس، خاصة لدى الآباء والأمهات خوفاً على أطفالهم.

يزيد من إضعاف الروح المعنوية لدى المواطنين، بل وربما لدى المقاتلين، خطاب سياسي وإعلامي نخبي اتبعه الإعلام في غزة في الإكثار من الحديث عن التواطؤ والتآمر العربي ضد القطاع، الأمر الذي سيصور للمواطن في القطاع أنه وحيد، في مواجهة ترسانة عسكرية إسرائيلية قادرة على أن تطال الهدف الذي تريد، تؤازرها حالة عربية رسمية، كان يفترض أن تقف إلى جانب القطاع وأهله ومقاومته.

إن مواصلة هذا الشكل من الإعلام، وهو، وإن كان يعود بالفائدة على فريق الفلسطيني دون غيره، فإنه لا يخدم روح الصمود لدى المواطنين، بل يزيدها إضعافاً، خاصة وأن الإعلام ـ خاصة إعلام حماس ـ تحول إلى إعلام سجالي مع أكثر من عاصمة عربية، ومع السلطة الفلسطينية في وقت يتوجب فيه على الإعلام المقاوم أن يركز على العدو، وجرائمه، وأن يستقطب أوسع أشكال الدعم و التأييد. ونرى في تجربة إعلام حزب الله في قتاله المشرف ضد العدو الإسرائيلي في حرب تموز ( يوليو ) 2006 عبرة ومثال ونموذج ودروس غنية.

تصويب الإعلام لقد انجرف إعلام حماس ـ للأسف ـ منذ اليوم الأول في لعبة التمحور العربي، ولعبة الانقسام العربي ـ العربي، بينما كان يتوجب عليه أن يلعب دوره في استقطاب التأييد العربي وتجاوز سياسة التمحور لصالح موقف عربي موحد يقف خلف القطاع وأهله ومقاومته. ونعتقد أن سلوك إعلام حماس هذا المسلك يخفي وراءه أهدافاً معينة لسنا الآن في معرض مناقشتها.

من هنا نرى ضرورة تعديل لهجة الخطاب السياسي والإعلامي، وتجاوز سياسية المناكفة والمساجلة، والتركيز على إبراز روح الصمود، وتظهير جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في القطاع.

اللجوء إلى الحرب البرية

في السياق العسكري، يبقى ضرورة طرح السؤال التالي: إذا كان العدو الإسرائيلي قد لجأ إلى آلته الحربية المتفوقة، نعني بها سلاح الطيران، فإلى أي مدى سيستفيد من تجربته في لبنان عام 2006؟ وبطريقة أخرى نسأل: هل ستنفذ إسرائيل تهديداتها، وتشن حملة برية ضد قطاع غزة؟

أهمية السؤال تكمن في التالي: إن لجوء إسرائيل إلى سلاح الطيران، لضرب المقاومة والمدنيين في القطاع، لا يوفر الفرصة أمام المقاومة لترد أي «لتقاوم» وتظهر في السياق بطولاتها واستعدادها للتضحية والدفاع عن شعبها، وشعاراتها ومبادئها. وحده القتال البري قادر على توفير الفرصة أمام المقاومة لإعادة صياغة المعادلة وبحيث يبرز التوازن بين الطرفين في قانون جديد للصراع: جندي مقابل مقاوم، آلة مصفحة مقابل مدفع مضاد للدروع.

وهنا تبرز عناصر الشجاعة والصمود وإرادة القتال لدى هذا الطرف أو ذاك، وما يخصنا هنا المقاومة الفلسطينية.

في محاولتنا الرد على السؤال يمكن أن نضع الاحتمالات التالية:


  • الاحتمال الأول أن تكتفي إسرائيل بحشد دباباتها ومدرعاتها في محيط القطاع للتأثير المعنوي على القرار الفلسطيني بحيث يشكل حشد كهذا عصا غليظة تلوح بها إسرائيل للوصل إلى نتائج سياسية للعدوان، تخدم أغراضها.
  • الاحتمال الثاني أن تقوم إسرائيل بعمليات محدودة تعتمد مبدأ التوغل المحدود والتطويق والإبادة لإلحاق خسائر في العنصر البشري للمقاومة في معارك غير متكافئة، وبحيث تحرز انتصارات رخيصة، يعمل الإعلام على تضخيمها، واستغلالها في المفاوضات السياسية اللاحقة.
  • الاحتمال الثالث أن تنجر إسرائيل إلى التوغل داخل القطاع، مما قد يتسبب بخسائر مدنية واسعة لكن سيتاح في الوقت نفسه للمقاتلين الالتحام بقوات العدو واستغلال الفرصة لإلحاق خسائر فادحة في صفوفها، خاصة إذا ما كانت المقاومة قد جهزت الأمر لذلك بزرع عبوات ناسفة، وتحضير عقد م/د دفاعية عند المفترقات والأزقة بحيث تحاصر آليات العدو ويتم تدميرها، مع تجنب الصدام مع الآليات الكبيرة ومحاولة الاستفراد بالآليات الأصغر التي يسهل تدميرها.

في كل الأحوال، يبدو أن المعركة في غزة مفتوحة، ولا مؤشرات حتى الآن أن ثمة حلولاً قد طرحت لوقف العدوان، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، على غرار ما حصل في لبنان. ولهذا، بتقديرنا بحث آخر.


المصدر