محمود عيد.. الداعية المجاهد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمود عيد.. الداعية المجاهد
د. الواعى.jpg

بقلم أ. د/ توفيق الواعي

قد تقابل كثيرًا من العلماء والدعاة، ولكنك في زمننا هذا قد لا تقابل العالم الرجل أو الداعية المقدام الذي يحقُّ الحقَّ ويبطل الباطل, ويصدع بالمعروف ويطارد المنكر, وإذا أردت البحث أو التنقيب عن أمثال هؤلاء فإنك قد تعثر عليهم في المعتقلات أو السجون، أو تجدهم مطاردين في بقاع الأرض, لا لذنب اقترفوه أو جرم ارتكبوه، ولكن لطهر اختاروه، وحق نطقوه، وباطل أنكروه، فقيل لهم كما قيل لمن سبقهم في هذا الطهر (أَخْرِجُوا آلَ لُوْطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرونَ).

وقد تسمع ألفاظًا وألقابًا تُطلق على هؤلاء قد لا تُطلق على المجرمين أو قطاع الطرق, تُدبج ضدهم التهم، وتُلصق بهم الدواهي التي يوصف بها القتلة والسفاحون, لتتخذهم الفجار من الظالمين أعداءً يلفتون بهم الناس عن المجرمين الحقيقيين, ويحاولون أن يأخذوا بحربهم رتبةً أو بطولةً وسمعةً, وذلك كله على حساب الحقيقة القتيلة الشهيدة.

قد عرف المنكر واستنكر المعروف فـي أيامنا الصعبة

وصار أهل العلم فـي وهدة وصار أهل الجهل في رتبة

حادوا عن الحق فما للذي سادوا به فيما مضى نسبة

فقلت للأبرار أهل التقى والدين لما اشتدت الكربة

لا تنكروا أحوالكم قـد أتت نوبتكم في زمن الغربة

وعالمنا الكبير, وداعيتنا العظيم, وإمامنا الشجاع الشيخ محمود عيد, كان عملاقًا في ثباته، عظيمًا في دعوته, جاهرًا بالحق، ناكرًا للمنكر، ولو كان في القمم, غير هيَّاب ولا وجل, داعيًا إلى الله لا يخشى في سبيله لومة لائم (لِيُحِقَّ الحَقَّ وُيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمونَ).

وصرخت في وجه الطغاة ولم تخَف أحفاد فرعون ولا هامان

هددت ظلوما بكـل صراحة وسواك لم ينبس ببنت لسان

ما أكثر من لبس العمامة، وادَّعى العلم وهو منه براء، بل كان بفتاويه المنحرفة لعنةً على الدين وثبورًا على الحقائق (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)، وذلك الميل يكون لنصرة كذاب, أو نفاق ظالم, أو مناصرة جبان عميل، يوضع على رأس الهرم، رعديد يطاف به على أنه أسد هصور, ولكن الله أعلم بالحقيقة، ولله در القائل في سجاح:

أضحت نبيتنا أنثى نطوف بها وأصبحت أنبياء الله ذكرانا

فلعنة الله رب الناس كلهم على سجاح ومن بالإفك أعوانا

أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت أصداؤه من رعيت حيثما كانا

كان الشيخ محمود عيد رجلاً عالمًا وداعيةً, ومربيًا وقدوةً, ومثلاً عظيمًا يُقتدي به, عفيف النفس, طاهر اليد, نقيًّا كماء المزن, ودودًا لإخوانه، مجاملاً لهم، حريصًا على سمعتهم، ورغم علمه الغزير كان متواضعًا عظيمًا في أدبه رحمه الله.

وكان أكثر ما يميزه صبره وتحمله للغربة وعدم ضجره بما يقع عليه من تجاهل وعنت وكان يعلم تمام العلم أن هذا هو ضريبة الدعوة إلى الله، وذلك هو ثمن التمسك بالحق, ويدرك كذلك أن هذا هو طريق الأنبياء والدعاة, تمامًا كما قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين علم أنه رسول وأنه صاحب رسالة: ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك, قال: أومخرجيَّ هم؟ قال: نعم, لم يأتِ رجل بمثل ما جئت به إلا عودي, وإن يأتني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.

سنن الدعوات وطريق الحق لا يسير فيه إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, رجال يستطيعون تحمُّل التبعات الثقال, ولهذا قال القرآن لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)، ولأن الوقوف أمام الباطل المتحكم يحتاج إلى عزم قوي وجهد فتي, وصبر على الصعاب وتحمل للمتاعب والمشاق, وثبات على الحق رغم مرارته وعلى أمره سبحانه, ومن ذلك ما نراه من موقف جعفر بن أبي طالب في مواجهة دسيسة قريش عند النجاشي، فحين قالوا: لم لا تسجد للملك, قال جعفر إننا لا نسجد إلا لله تعالى, وحينما سئل ما تقولون في عيسى: قال: نقول فيه الذي جاء به نبينا, نقول: هو عبد الله ورسوله وروحه, وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول, لم يمالئ جعفر أحدًا في كلمة الحق، ولم يؤثر فيه موقف من المواقف، وهكذا شأن الداعية إلى الله تعالى.

لله ألجأ في الشدائد كلها والله يعصم لاجئًا لله

لله آوي في المخاوف إنه ما ضاع عبد قد أوى لله

لله أبسط راعتي تعرضًا لنواله وتضرعًا لله

لله أسأل من خزائن فضله ما رد قلب سائل لله

كان الشيخ محمود عيد كثير التوكل على الله في السراء والضراء, وفي العسر واليسر, فعاش حميدًا، ومدَّ الله في عمره "وخيركم من طال عمره وحسن عمله"، والحقيقة أن الرجل ما كان يدخر جهدًا ولا وقتًا إلا بذله في سبيل دعوته، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، جزاه عن تلامذته الكثيرين خير الجزاء, ونسأل الله له الرحمة والمغفرة والثواب الجزيل، ونقول لأحبائه: هكذا فارقنا الشيخ، وهذا مصير كل حي.

عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به.

وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له رزية مال أو فراق حبيب

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى