مفاجأة شيوعية في مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مفاجأة شيوعية في مصر
13-08-2003
مصر


فاجأْتنا السلطات الأمنية في مصر بخبر الإعلان عن تنظيم شيوعي، يهدف إلى إثارة الرأي العام، ومعارضة السياسات الحكومية، خاصةً نشر أخبار كاذبة...!!

تم إحالة التنظيم إلى القضاء، وهي سابقة تحدث لأول مرة منذ 16 سنة، وقد حملت المفاجأة أكثر من بُعد: فالتنظيم لا يضم إلاَّ خمسة أعضاء، منهم قائده المهندس "أشرف إبراهيم" الذي رهن الحبس بعد القبض عليه منذ شهور، إبَّان المظاهرات الشعبية المتواصلة ضدَّ العدوان الأمريكي- الصهيوني ضدَّ الشعبين العراقي والفلسطيني، والتي شاركت فيها كل ألوان الطيف السياسي المصري، وكلّلت بتظاهرة 27/2 الشهيرة في استناد القاهرة، والتي شاركت قوات الأمن المصرية- ولأول مرة في تاريخها- بحفظ الأمن فيها، وليس بضرب المتظاهرين بالهروات أو رشّهم بخراطيم المياه؛ مما عددناه تحوُّلاً مهمًّا في السياسة الأمنية المصرية.

وبقيه المتهمين- وهم أربعة فقط- فهم فارُّون، ويجري تمشيط مصر من بلد إلى بلد، ومن شارع إلى شارع بحثًا عنهم؛ نظرًا لخطورتهم الشديدة على الأمن!!

والمفاجأة الأخرى أن مصر منذ 16 سنة لم تعرف محاكمات لتنظيمات يساريَّة أو شيوعيَّة منذ التنظيم الشيوعي المسلح، وقد طال بنا الزمان حتى ظننَّا أن السياسة الأمنية تجاه اليساريّين أوالشيوعيين قد تغيَّرت، أو أنَّ هذه التنظيمات ضعُفت أو انقرضت، خاصةً مع التحوُّلات الكبرى التي حدثت في الجبهة اليسارية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، والكتلة الشرقية منذ انهيار جدار برلين في 1989م، والذي كان الراعي الرسمي لمعظم التنظيمات الشيوعية في العالم العربي، وقد فقدت هذه التنظيمات توازنها بعد هذه الصدمة العنيفة.

كان لهذا التصدُّع الكبير أثره في تحول غالبية الماركسيين القدامى إلى الجبهة التي تبنَّوْها طوال عمرهم، إلى الصف الأمريكي، وكان الهدف المشترك هو حصار الظاهرة الإسلامية المتنامية والمتصاعدة، والتي يلتف حولها جمهور غفير من الشعوب العربية في عملية مقاومة متصلة في فلسطين ولبنان والآن في العراق، ويشهد على ذلك الدور الذي يقوم به مفكرون يساريون بارزون ومبدعون وأدباء، ومثقفون ماركسيون، لا همَّ لهم الآن إلا مواجهة الإسلام وعقيدته وحضارته وتراثه وحركاته، كما حدث في المؤتمر الأخير بالقاهرة، وتنظيمات يسارية حزبية أو غير حزبية، توافقت أو عملت في جبهة واحدة مع النظم والحكومات والأحزاب المسيطرة لترسيخ الديكتاتورية القائمة، وانعدام الحريات، وغياب الديمقراطية،

والتي يعاني منها المواطن العربي؛ خوفًا وذُعرًا من هاجس خطير يقضّ مضاجعهم، وهو أن تأتي الأحزاب الإسلامية عبر صناديق الانتخابات، وبتفويض شعبي يعلن انتهاء مرحلة من التغريب والعلمنة والاستيراد السريع المتقلب الأفكار والنظم الشرقية أو الغربية، والتي ستعمل على بناء نظام جديد يتوافق مع ثقافة وخصوصية المنطقة العربية والإسلامية، ويحترم عقيدة الأمة وتراثها وخصوصيتها، ويعمل على بناء نموذج إسلامي يعتمد الحريات والديمقراطية، ويشارك في الحضارة العالمية على قدمِ المساواة مع بقية حضارات العالم، لا يستنتج نموذجًا بل يستفيد من كل المعطيات الإنسانية، ويأخذ النافع من كل الأمم وتجاربها.

بقية من الشيوعيين المحترمين حافظوا على توازنهم الفكري والنفسي فلم ينجرفوا في ذلك التيار الأمريكي الذي عمل له سماسرة ووسطاء، منهم قادة أحزاب وكتَّاب ومفكرون، هؤلاء حافظوا على سلامهم الداخلي وحيويتهم الفعالة، فشاركوا في المظاهرات ضد الاحتلال، وحاوروا بقية التيارات الفكرية ومنها التيار الإسلامي للتنسيق والتعاون ضدَّ الخطر الأعظم.

كان للمفاجأة بُعدٌ آخر، وهو أن الراعي الرسمي الوحيد للمنطقة العربية الآن يحاول أن يتعامل مع الواقع بحنكة تغيب عن الأجهزة الأمنية العربية، خاصةً وأن الجهات المنوط بها التصرف في كافة قضايانا الحياتية والمصيرية هي أجهزة المخابرات، ورجال هم الذين يجوبون البلاد شرقًا وغربًا من المغرب إلى العراق، أي من المحيط الهادىء إلى الخليج الثائر، مرورًا بفلسطين الحبيبة التي أصبحت قضيتها ملفًا أمنيًا، وباتت الدولة الفلسطينية المنشودة والأمل العزيز مجرد سلطة أمنية تهدف إلى حراسة المستوطنة الصهيونية.

ففي الوقت الذي يجلس فيه رئيس الحزب الشيوعي العراقي في مجلس الحكم الانتقالي جنبًا إلى جنب مع ممثلين لأحزاب إسلامية بارزة سنيَّة وشيعيَّة في اعتراف أمريكي بالواقع السياسي، كما اعترفت بالواقع الطائفي في تكريس للطائفية العراقية، وهو ما يزيد الشكوك حول مجلس الحكم الانتقالي، نجد أن السلطات القضائية المصرية تستعد لمحاكمة ناشطين شيوعيين بتُهمٍ تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة؛ لأن من بينها إسقاط نظام الحكم، وإقامة نظام آخر يستند إلى الشيوعية المشتددة، "لاحظ تعبير المتشددة؛ لأن هناك شيوعية متسامحة أو متساهلة وهي التي تسير في خطِّ الدولة وأمريكا"!

الجديد أيضًا أن الجرائم المنسوبة للتنظيم الخطير الذي سيقلب نظام الحكم بخمسة أفراد استعمل شبكة الإنترنت في أي شيء؟! في نشر بيانات عن خروقات لحقوق الإنسان في السجون، واضطهاد للأقباط بمصر، وحازوا مطبوعات ومنشورات لترويج أفكار التنظيم، وإذاعة أخبار كاذبة بالخارج عن الأوضاع في مصر، وكأن آلاف الباحثين والمراسلين المعتمدين في مصر للإذاعات والتليفزيونات والجامعات لا يجوبون قرى مصر، ويحصلون على المعلومات الحقيقية التي قد لا تعرفها الحكومة.

سؤال للجهات الأمنية وجهات التحقيق... إلى متى نضع رؤسنا في الرمال كالنعامة ولا نعترف بالواقع الموجود؟! وأخيراً.. أمَا آن الآوان بَعْد لنتوقف عن إطلاق صيحة الخطر: امسك شيوعي؟!!


المصدر