مفتاح المفاوضات أم مفتاح الحقوق؟
بقلم : محمد السهلي
التركيز فقط على مسألة تجميد الاستيطان وقبول تجاوز مرجعية الشرعية الدولية كأساس للمفاوضات يبقينا في دائرة المناورات الإسرائيلية حول صيغ «التجميد» ومدته
تحدثت مصادر إعلامية إسرائيلية عن احتمال استئناف المفاوضات المباشرة خلال شهر تشرين الثاني ( نوفمبر) الآتي.
فيما نقلت مصادر أخرى عن نتنياهو أنه مقتنع بهذا التقدير في حال وافق المفاوض الفلسطيني على صيغة «تقييد» الاستيطان بدلا من تجميده.
وفيما يرى البعض أن مفتاح المفاوضات الضائع موجود في عهدة صاحب صلاحية إقرار تجميد الاستيطان حصرا، فإن التطورات الميدانية تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية بصدد ترسيم نتائج المفاوضات من جانب واحد، في الوقت ذاته الذي تهدد فيه الجانب الفلسطيني وتحذره من مغبة اللجوء إلى أحد خياراته الوطنية وخاصة إعلان استقلال الدولة الفلسطينية حتى وإن جاء ذلك بـ «معية» الجمعية العامة للأمم المتحدة.. ومباركتها.
وحتى يتسنى لحكومة نتنياهو تمرير مشروعها، تسعى لإيجاد توافق مع واشنطن حول عناصر الحل الذي تريده لقضايا الصراع الأساسية، مستفيدة من مساحات التقاطع الواسعة الموجودة أصلا بينهما في الموقف من هذه القضايا.
· فحول قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها، تتفق واشنطن وتل أبيب على شطب هذا الحق وحل قضيتهم من خلال مشاريع التوطين والتشتيت وربما استيعاب بعض منهم في أراضي الدولة الفلسطينية في حال قيامها.
وكانت واشنطن سباقة في طرح مثل هذه المشاريع منذ الخمسينيات من القرن الماضي.
وهي تؤكد حاليا على هذا الموقف من خلال موقف إدارة أوباما على يهودية دولة إسرائيل.
وإلى جانب ذلك ارتفعت أصوات فلسطينية من أوساط قيادة السلطة تتوافق مع الحلول التي تتجاوز حق العودة.
ضمن هذه المعادلة تجد حكومة نتنياهو كما سابقاتها أن الأمر محسوم لصالحها، لذلك لا تجد مانعا في ذكر قضية اللاجئين كعنوان من ضمن عناوين يمكن أن يتضمنها اتفاق الإطار الذي جرى الحديث عن التوصل له في ختام المفاوضات.
وهذا أحد الأسباب الأساسية التي تجعل من إسناد المفاوضات إلى قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194 أمرا تستدعيه المصلحة الوطنية.
· وبالنسبة لمدينة القدس، يأتي قرار الحكومة الإسرائيلية مؤخرا بإعطائها ما أسمته «الأولوية الوطنية» كحلقة متصلة من الإجراءات التي تسعى لتكريس القدس عاصمة لإسرائيل ويعني القرار التعامل مع مناحي التنمية مع القدس المحتلة كما هو الحال في مشاريع البناء والتطوير في أراضي الـ48 وتعتبر إسرائيل ذلك شأنا خاصا بها لا يحق لأي طرف آخر التدخل فيه.
وقبل ذلك وفي سياقه تتواصل العطاءات الاستيطانية التي تأتي على شكل حملة تهويد واسعة حتى تحسم وعلى الأرض نتيجة المفاوضات حول مستقبل المدينة.
مع العلم أن نتنياهو لا يخفي تأكيده على أن القدس ستبقى موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل.
ويأتي القرار الإسرائيلي تجاه القدس من أجل منح تسهيلات مالية وقانونية لتشجيع الاستيطان فيها.
وهنا أيضا تستدعي المصلحة الوطنية حضور قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد وجوب الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلت في العام 1967 بما فيها القدس الشرقية وهو ما يقطع الطريق على المناورات الإسرائيلية التي تستهدف مستقبل المدينة كجزء أساسي من الأراضي المحتلة.
· في موضوعة الأمن، تستند حكومة نتنياهو إلى توافقات مع إدارة أوباما وخاصة عندما أكد الرئيس الأميركي في خطابه الشهير ب القاهرة (4/6/ 2009 ) على وجوب أن تكون الدولة الفلسطينية المنظورة منزوعة السلاح.
وهذا يعني أن مسألة الأمن يجب أن تجد حلا بعيدا عن يد الأجهزة الفلسطينية بل عن طريق طرف آخر.
وإذا كان المفاوض الفلسطيني لم يخف قبوله أن يكون هذا الطرف قوى دولية بدون تواجد إسرائيلي، فإن إسرائيل وعلى لسان نتنياهو ومن سبقه أيضا ينظر إلى الأمن في أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة ومحيطها شأنا إسرائيليا خالصا ولا تقبل بأن تسلم ملف أمنها بيد أي طرف آخر ـ بحسب تصريحات إسرائيلية كثيرة ـ على ذلك سعى نتنياهو لأن يضيف إلى الضمانات الأمنية الأميركية التي عرضت مقابل تجميد جزئي للاستيطان إقرارا رسميا أميركيا يوافق على بقاء الجيش الإسرائيلي على طول الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية وفي مناطق مختلفة من الضفة تحددها الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
وإن استطاع نتنياهو الحصول على هذا الإقرار من واشنطن فيكون قد حسم مسبقا نتائج المفاوضات المفترضة حول موضوعة الأمن.
· وبالنسبة لمستقبل الاستيطان، فإن نتنياهو متمسك بضم الكتل الاستيطانية الكبرى لإسرائيل ويريد أن يتجاوز المساحة الفعلية للأبنية التي تقوم عليها هذه المستوطنات بإضافة ما يسمى محيطها الحيوي لسببين: السبب الأول من أجل إتاحة المجال للسيطرة على مكامن الثروات الطبيعية وخاصة أحواض وخزانات المياه الجوفية للمحافظة على كمية المياه الكبيرة التي تنهبها هذه التجمعات الاستيطانية.
والسبب الثاني من أجل ما يسمى بالدواعي الأمنية لحماية هذه المستوطنات.
ولتحقيق هذه المعادلة، يسعى نتنياهو لأن يحصل على أكبر نسبة ممكنة من تبادل الأراضي.
· أما موضوعة الحدود، فينظر لها نتنياهو كمحصلة لتطبيق الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
وهو أعلن مرارا أنه غير مستعد للخوض في ترسيم حدود الدولة الفلسطينية قبل تطبيق هذه الاعتبارات.
وإلى جانب ذلك بعد أن يكون قد فرض خريطة الاستيطان كما تريدها حكومته.
فإذا استعدنا محاور المشروع الإسرائيلي تجاه الأمن و القدس والاستيطان، فإن ما تبقى سيترك باعتباره أرضا تحت الولاية غير السيادية لما يسمى الدولة الفلسطينية.
لذلك، فإن التركيز فقط على مسألة تجميد الاستيطان وقبول تجاوز مرجعية الشرعية الدولية كأساس للمفاوضات يبقينا في دائرة المناورات الإسرائيلية حول صيغ «التجميد» ومدته، فيما الخطر الأساسي يهدد مصير العناصر الأساسية للقضية الفلسطينية.
وهذا يعني أن مفتاح المفاوضات التي نريدها يجب أن يكون ذاته مفتاح الباب الذي يؤدي إلى تجسيد الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وإذا كان الأمر سيتجه في منحى آخر معاكس لهذه الحقوق فإن إغلاق باب المفاوضات هو الموقف الوطني الصحيح.
وهذا يعني أيضا العمل السياسي والدبلوماسي والشعبي المقاوم من أجل إنجاح خيار التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والطلب من أعضائها تجديد اعترافهم بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي دعت إلى إزالة الاحتلال، وعدم الاعتراف بكل التغييرات البنيوية والديمغرافية التي أجراها في الأراضي المحتلة والتأكيد على وحدة هذه الأراضي وعدم تجزأتها أو ضم أي جزء منها إلى إسرائيل.
ومن الطبيعي أن يلقى هذا التوجه الفلسطيني في حال اعتماده رفضا إسرائيليا وتهديدا كالذي نشهده هذه الأيام وهو ما يتطلب وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته من أجل وقف هذه التهديدات ومنع إسرائيل من القيام بإجراءات عدوانية متوقعة.
ومع إدراكنا أن طريق تنفيذ هذا الخيار لن يكون مفروشا بالورود، فإننا نعتقد أنه من الضروري أن يكون هذا الخيار هو جوهر الخطاب الفلسطيني الذي ينبغي أن تسمعه لجنة المتابعة العربية عند اجتماعها مع نهاية فترة الشهر التي أعطت فرصة للجهود الأميركية.
ونكون بذلك قد صغنا الرد الوطني المناسب على التهديدات الإسرائيلية
المصدر
- مقال:مفتاح المفاوضات أم مفتاح الحقوق؟المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات