من روائع حضارتنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من روائع حضارتنا
د. الواعى.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

لم تكن الحضارة الإسلامية روحيةً فقط، أو أخلاقيةً بدون رخاء أو تكنولوجيا أو علم، وإنما كانت حضارةً جامعةً محيطةً؛ تحترم الحياة وتُلبي أشواق الإنسان وتطلعاته، تهتم بإيمانه وعقيدته، كما تهتم بمعاشه وواقعه، وتُغذي روحه وقلبه كما تُطعم بطنه وجسده، وتهتم بلباسه ومظهره كما ترعى أمانته وأدبه.

والإنسان المؤمن يزكيه نشاطه الحيوي، وعمله وجهده، وفي الأحاديث والآثار في هذه الحضارة ما يدفع إلى ذلك، ويرشد المسيرة الخيرة التي يحتاجها العالم.

عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "نعم المال الصالح للمرء الصالح"، المال الذي اكتُسب من حلالٍ وأُنفق في حلال يكون زيادةً في سعادة الأفراد والأمم، وقوة الشعوب والدول.

عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، قال: قال النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه هذا المال"، وعن الحسن عن سمرة بن جندب، قال رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "الحسب المال والكرم التقوى".

وعن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يكف به وجهه عن الناس، ويصل به رحمه، ويعطي منه حقه".

قال سعيد بن المسيب: "ينبغي للعاقل أن يحب حفظ المال في غير إمساك؛ فإنه من المروءة، يكف به وجهه، ويكرم نفسه، ويصل منه رحمه"، وعن بلال بن سعيد، قال: خطب عمر بن الخطاب على منبره، فقال: "يا معاشر العرب.. أصلحوا هذا المال؛ فإنه خضرة حلوة، وإن هذا المال يوشك أن يصير إلى الأمير الفاجر أو التاجر النجيب"، قال أبو بكر بن أبي الدنيا: "الماهر في الأمور".

عن القاسم بن محمد، قال: لما كان زمن عمر فكثُر المال، وحدثت الأعطية، وكف الناس عن طلب المعيشة، قال عمر: "أيها الناس.. أصلحوا معايشكم؛ فإن فيها صلاحًا لكم وصلة لغيركم"، وعن العلاء بن زياد، قال: قال عمر: "عليكم بالجمال واستصلاح المال، وإياكم وقول أحدكم: ما أبالي".

عن يحيى بن سعيد بن المسيب: أنه ترك دنانير كثيرة، فلما حضرته الوفاة، قال: "اللهم إنك تعلم أني لم أجمعها إلا لأصون بها ديني، وأصل بها رحمي، وأكف بها وجهي، وأقضي بها ديني، لا خير فيمن لا يجمع المال ليكف به وجهه، ويصل به رحمه، ويقضي به دينه، ويصون به دينه".

حدثنا الحسين بن علي العجلي، قال: سمعت عبد الله بن موسى، يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: "المال في هذا الزمان سلاح المؤمن".

حدثنا أبو عبد الله الباهلي، حدثنا أبي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: "كنا نكره المال للمؤمن، وأما اليوم فنعم الترس: المال للمؤمن".

عن عروة بن الزبير، قال: قال الزبير: "إن المال فيه صنائع المعروف، وصلة الرحم، والنفقة في سبيل الله عز وجل، وعون على حسن الخلق، وفيه مع ذلك شرف الدنيا ولذتها".

عن سعيد بن المسيب، يقول: "لا خير فيمن لا يحب المال ليؤدي عنه أمانته، ويصل رحمه، ويستغني به عن خلق ربه عز وجل".

عن المغيرة بن شعبة، قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ينهى عن وأد البنات، وعن عقوق الأمهات، وعن منع وهات، وعن قيل وقال، وعن كثرة السؤال، وعن إضاعة المال.

سأل رجل سعيد بن جبير عن نهي النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- عن إضاعة المال، قال: "هو أن يرزقك رزقًا حلالاً فتنفقه فيما حرَّم الله عليك".

عن الشعبي، قال: قال معاوية للأحنف: ما تعدون المروءة فيكم؟ قال: التفقه في الدين، وبر الوالدين، وإصلاح المال، فأرسل معاوية إلى يزيد فقال: "اسمع من عمك"، وسُئل أبو هريرة عن المروءة: ما هي؟ فقال: "الثبوت في المجلس، والغداء والعشاء في أفنية البيوت، وإصلاح المال".

قال رجل لمعاوية: "المروءة إصلاح المال، ولين الكتف، والتحبب إلى الناس"، وعن عبد المجيد بن أبي عبس، قال: دخل أحيحة بن الجلاح حديقته الزوراء، فهبط به نسوة من بني سليم، وأنزلن به حاجاتهن، فقال: ادخلوا، فدخلن، فبينا هو يمشي في حديقته إذ نظر إلى تمرةٍ فأخذها، ثم إلى أخرى فأخذها، فجعل يلقط التمر كذلك، حتى جمع تمرات، فقالت امرأة منهن: ألا ترين إلى ما يصنع؟! ما لكن عنده خير بعد هذا فارجعن، فسمع قولها، فقال: التمرة إلى التمرة تمر، والذود إلى الذود إبل، فذهب مثلاً، وأنشأ يقول:

ولن أزال على الزوراء أعمرها إن الحبيب إلى الإخوان ذو مال

استغن أو مت ولا يغررك ذو نشبٍ من ابن عم ولا عم ولا خال

قال الأشعث بن قيس: "يا بَنِيّ.. أصلحوا المال لجفوة السلطان وشؤم الزمان"، وكتب الحسن إلى الحسين- رضي الله عنهما- يعيب عليه إعطاء الشعراء، فقال الحسين: إن خير المال ما وقي به العرض.

وقال مروان بن الحكم لوهب بن أسود الثقفي: ما المروءة فيكم؟ قال: العفاف، وإصلاح المال، فقال مروان: علي بعبد الملك وعبد العزيز، فلما أتيا قال: اسمعا ما يقول عمكما؟ قال: فما السؤدد فيكم؟ قال: الحلم والنوال، قال: أي بَنِي.. اسمعوا.

قال عبد الملك لرجل من قريش: إنا نعد الحلم وإعطاء المال سؤددًا، ونعد القيام على المال وإصلاحه مروءة.

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان من دعاء النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الذي لا يكاد أن يدعه: "اللهم اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سني، وانقطاع عمري، وقرب أجلي".

وعن العلاء بن زياد: قال: قال عمر- رضي الله عنه-: "عليكم بالجمال، واستصلاح المال، وإياكم وقول أحدكم: لا أبالي".

ولهذا كان نشاط المال في الأمة يرفع قيمتها، ويسد جوعتها، ويزكي قوتها، وكان جلب التجارة وإدارة المال لنفع الناس وعدم الإضرار بهم فضيلةً تُبارِك الرزق وتزكِّي المال، ولهذا قيل: "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون"، بل جعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من يستورد الطعام وييسر على الناس له أجر شديد؛ إعظامًا لشأنه.

عن إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود أن النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: "مَن يجلب الطعام إلى بلدٍ من بلاد المسلمين، فباع بسعر يومه محتسبًا كان له أجر شهيد النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ (المزمل: من الآية 20).

قال أبو نصر: قلتُ لمعافى: وترى الكداد على عياله محتسبًا؟ قال: وهل المحتسب غير هذا.

هل تسمع الأمم التي لا تجد اليوم ما تأكله والتي تسرق أموالها وتحتكر أرزاقها هذه التوجيهات وتسير على الطريق؟!، أم أنها قد صمت الآذان وأغلقت العقول وسارت إلى قدرها المحتوم.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى