نداء الكرمل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نداء الكرمل

بقلم : تحسين يقين

هل من رمز هنا؟

هل من أمل هنا وهل من عقل وروح وقلب وزهر؟

ما إن شاهدت المطر من وراء الزجاج حتى نظرت إلى الأرض لعلي أرى فمها يشرب الماء كإنسان عانى طويلا من العطش..ثم برضا قلت لعل الأمطار تطفئ الكرمل أيضا..

صار الشجر أكثر خضرة بعد غسله، ولعله يبكي اليوم على الأشجار المحروقة..

حين زرت حيفا الصيف الماضي استأذنت مضيفي بالنزول للبحر، ولعلي أكون قد هربت من كلمات الاحتفال، إلى احتفال آخر بين الهواء والموج، دقائق وكنت على رمال البحر الدقيقة الطرية، وزرقة البحر والسماء، كنت أسبح على ارتفاع قصير، أي على الشاطئ..

وعلى الشاطئ كان هناك يهود وأجانب، وفلسطينيون من القدس وحيفا وغيرها، وكان هناك روس أيضا، بشر كثيرون يستلقون تحت أشعة الشمس وتحت المظلات، وفي الماء، يتأملون البحر مثلي، أو أنا مثلهم...

اقترب مني طفل صغير، وأخذ يرش الماء تجاهي، فبادلته اللعب: طفل وبحر، هذا جميل، اقتربت سيدة أربعينية وألقت السلام، فرددت التحية، وأخذت تتحدث عن ابنها المريض (المنغولي)، وانهمكت هي بالحوار، فتحينت فرصة وقلت لها إنني "اشتحيم" أي من الضفة الغربية، فلم تتغير سحنتها، فتابعت قولي إنني هنا بتصريح من سلطات الاحتلال، وركزت على كلمة الاحتلال، فلم تتغير سحنتها، قلت لها إنني أحب البحر كثيرا، لكنني لا أستطيع الوصول إلى مائه حينما أريد..

تابعت بعمق وبتفاصيل همومها، فتشجعت وقلت لها بعض الهموم العادية أيضا، دعتني على شرب القهوة، كان معها مربية ابنها، سيدة ستينية من أصل عراقي، ومعي شابان من هنا..

هي من أصل يمني، تؤكد على تربيتها ومحافظتها، دقيقة الوجه مهمومة السحنة ناضجة، لم تتغير سحنتي حين عرفت أنها متقاعدة من الجيش، لكن قلت لها ضاحكا أرجو ألا تكوني قد آذيت فلسطينيا، فأكدت أنها لم تفعل، فصدقت أو أحببت أن أصدق حتى لا أربط بين الوجه العادي وبين الإرهاب والاحتلال!

ماء كثير هنا، ووجه حسن، وحسان كثيرات تنافسن الماء، وخضرة تطل من أعلى الجبال الممتدة بين الشمال والجنوب! قلت ليتنا نعيش كلنا معا دون خوف أو حذر.. ستطول الأماني..

حادثة الجبل الأخضر تثير تداعيات أقلام الناس وألسنتهم هنا وهناك، فعلى أثر الحريق الهائل الذي شب فيه، ظهر ضعف قدرات الإطفاء في إسرائيل، ولم يكد هذا المحلل أو ذاك يكمل عبارته حتى أضاف أن إسرائيل غير مستعدة لدرء أي زلزال محتمل وقوعه؛ باعتبار أن هناك حديثا من قبل حول احتمال تعرض المنطقة لزلزال، كان قد تكرر الحديث عنه، وصار الحديث عنه الآن مهما، إذ إذا كان الإسرائيليون الأقوياء عسكريا ونوويا غير قادرين على إطفاء حريق فكيف بالزلازل!

لكن المطر أطفأ النار!

كانت أختي قد دعت الله لينزل المطر في بيت دقو، لأن حريقا شب في أراضي القرية الزراعية، لأن جنود الاحتلال على جدار الفصل العنصري أطلقوا يوم الجمعة قنابل مضيئة، وبسب جفاف الأرض، لم تكد ذبالة القنبلة المضيئة تنطفئ حتى شب حريق، فاندفع شباب القرية لإطفائه، ونجحوا في ذلك..

حين رأيت النار تعلو الجبل قلت: ألحقت النار تصل من الكرمل!

في البيت كان أطفالي الصغار يخلطون بين نار جبل بيت دقو ونار الكرمل!

سعدت ليلا حين علمت بأن إطفائيات الدفاع المدني الفلسطينية ذهبت إلى حيفا لتقوم بدورها الإنساني، صحيح أن ذلك سيساهم قليلا في إخماد النيران، لكنني قرأت ذلك رمزيا..

قلت من يدري أن الفلسطينيون من جبال الضفة الغربية سيكونون الأسرع للإنقاذ في حالة الزلزال المتوقع أن يضرب السهول والغور، كونهم سيكونون أقل عرضة للخطر..

سنكون الأسرع قبل اليونان، وتركيا، وروسيا، وقبرص وبريطانيا الولايات المتحدة الأميركية، تلك الدول التي ساهمت في إطفاء الكرمل! .

هل من رمز هنا؟

مدينة حيفا كانت مختلطة قبل عام 1948 ، حيفاويون ويهود، ورغم أن الفلسطينيين فيها صاروا أقلية، إلا أن المدينة تعد مدينة مختلطة تتميز بتعايش مقبول، رغم وجود عنصرية الدولة في التعامل مع السكان العرب واليهود.

المرأة التي مرت بأطفالها بالقرب من المركز العربي اليهودي المشهور في حيفا، في واد النسناس حين سألتها سريعاً كيف الحال: ردت: محبوسين.

العجوز الثمانيني تحدث معي، وأول ما قال عن الوضع في حيفا ذكر بتلقائية انه احتلال "عندما جاء الاحتلال" يقول هذا بعد 62 عاماً .. والمعلمة الحيفاوية الحسناء قالت لي تختصر أسئلتي: أنها لا تستطيع أن تعلم التاريخ الحقيقي، وأنها ملتزمة بالمنهاج الرسمي الإسرائيلي، وأنها تحاول أحياناً تمرير بعض المعلومات وأنها تخشى على وظيفتها إن قامت بما تقتنع به.

رغم ذلك فإن رمزا هنا يقف عموديا بين البحر والسماء، في أمل بإمكانية التعايش هنا، في دولة واحدة وليس فقط في مدينة حيفا، على أن نجتث العنصرية من فلسطين التاريخية الانتدابية، وإننا نضيّع وقتنا حين نسير في أي حل لا يهدف الدولة الواحدة..على هذه الأرض..وما نيران حيفا والزلازل والكوارث الطبيعية إلا أدلة وكشافات للسير نحو حل الدولة الواحدة، ولن ينفع إسرائيل عون دول بعيدة إن وقعت في حرب تشعل الأخضر والأسود في ظل انتشار الأسلحة المتطورة.

يا ليتنا نعيش كلنا معا دون خوف أو حذر..

لكن لا تفيد الأماني إن لم نتجه كلنا بكليتنا تجاهها..

لي أن أتذكر تجوالي في الكرمل..

كنت أنظر له في عشقه الدائم، وهو يصر على أن يظل ينظر نحو البحر..

في بيت أبو خالد السيد أسعد عودة، في حي الكبابير على جبل الكرمل، مشهد البحر من جهة ومشهد السلاسل الجبلية على الكرمل، مرتبة وقوية، تحدت أكثر من نصف قرن ولم تخرب، مباركة الأيدي التي صنعت. هناك كنيسة، دير، أبقار ترعى، تناولنا إفطارنا ذات صيف، لكن عيوننا كانت تأكل البحر..

حيفا مكان أكثر من رائع، جبل على بحر، مطل مدهش حقاً، على جبل الكرمل، سرنا وأوراق الزهر لوّنت الشارع.

حين وقفت على مكان متوسط ما بين النظرة إلى الغرب والشمال والنظرة إلى الجنوب، كان الموج يلمع إلى جهة يافا، يكاد الموج يبيض ويزداد بياضه، ثم يلتقي مع بياض الأفق، ثم تتلألأ قطرات ماء الأمواج.

في الغرب والشمال، تطل السفن كبيرة قريبة من الميناء، وفي الليل ظهرت أضواؤها،

أكثر من زيارة كانت لي لحيفا، التقينا بعض الحيفاويين الباقين، تجولنا في المدينة، كنا ننظر إلى حدائق البهائيين، وقرب النقطة العسكرية التركية، مقابل الدير، هناك مكان جميل للتمتع بمشهد حيفا، ترى معظم حيفا، وتلوح في الأفق من بعيد عكا.

يا ليتنا نعيش كلنا معا دون خوف أو حذر..

لكن لا تفيد الأماني إن لم نتجه كلنا بكليتنا تجاهها..

على الأقل عزائي بأن أذكر وأدعو..

لقد كان من الممكن أن تكون حيفا قد تابعت تطورها الطبيعي لجميع ساكنيها والذين وفدوا اليها للعمل والإقامة قبل عام 1948 لو لم تسقط وتقع فريسة الاحتلال، حيث أصبح تطورها مشوهاً بسبب تهجير أصحابها الأصليين..

وحيفا ليست إلا مثالا!

المصدر