هل يشهد أيلول صافرة قيام الدولة..؟
بقلم : آصف قزموز
بينما يصم آذاننا دوي مدافع العرب وفتوحاتهم الخطابية البليغة وسابقات الصوت من جعجعاتهم الخالية من الطحن والافعال الجادة على امتداد سنين الصراع العربي الاسرائيلي وحتى يومنا هذا.
وبعد أن أعطت الولايات المتحدة وحلفاؤها نظام القذافي أطول فرصة ممكنة لحسم الموقف عسكرياً لصالحه متجاهلين الدمار والدماء وحق المدنيين الليبيين في الحماية الدولية، وهو ما شهدناه من خلال فشل اجتماع دول الثمانية في اتخاذ قرارات لحماية الشعب الليبي، ناهيك عن تراجع تلك الدول عن مواقفها الأولية سواء لجهة المطالبة بفرض منطقة حظر جوي أو لجهة التراجع عن المواقف التي اعتبرت أن القذافي فاقد للشرعية وعليه الرحيل، وهو الأمر الذي اشار بوضوح بالغ مدى انحياز واشنطن وتلك الدول لمصالحهم على حساب الشعوب ومن دمها وكيسها المنهوب. يصدر قرار مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا، على مضضٍ أميركي وبلسان حال "أن تأتي متأخراً خير من ان لا تأتي" أو تأتي بعد فوات الأوان.
ولعل ما يضفي أهمية على هذا القرار الدولي هو أنه يأتي بعد اتضاح وافتضاح أمر القذافي وسياساته المتساوقة منذ أمدٍ بعيد مع المصالح الاميركية في المنطقة، بل والحامية لها ولمصالح اسرائيل ايضاً، وهو ما تأكد دون لَبْسْ في تحذير القذافي من احتمالات زعزعة مصالح اوروبا واميركا واسرائيل في حال تزعزع نظام حكمه.
ولعل من الدلالة بمكان والموقف بمقام، ما تجلى في دعوة وزير الخارجية الايطالي لعقد قمة اوروبية عربية افريقية غير فورية ولا عاجله، لبحث الوضع في ليبيا مترافقاً مع منطق تهبيط الحيطان على الرأي العام لصالح نظام القذافي، بالقول ان فرض منطقة حظر جوي أمر غير ممكن، الأمر الذي أعطى المزيد من الوقت لإتاحة الفرصة للقذافي لاستكمال جرائمه وسياسة الأرض المحروقة بحق شعبه،
وكأنما كانوا يستعجلونه لإنجاز مهمة ارتضوها للحفاظ على مصالحهم المتقاطعة مع مصلحة استمرار النظام الحاكم في باب العزيزية.
لكن ما زاد الأمر فضيحة هو التحول المفاجئ في مواقف واشنطن وحلفائها ودفعها باتجاه اصدار قرار الحظر الجوي على ليبيا، ليترافق مع اكتشافهم أن الثوار لديهم طيران بدأوا يستخرجونه، وبذلك بدا قرار الحظر والحالة هذه لمنع الثوار من التفوق في الميدان اكثر مما هو موجه لمنع طيران القذافي، الذي يقصف المدنيين ويحرق السموات والارض وما عليها دون رادع او حسيب بل لوحظ عشية هذه الانعطافة أن المسؤولين الأميركيين اخذوا يتقاطرون في اعلان تقدم قوات القذافي وكأنهم ناطقون عسكريون ليبيون يعلنون انتصاراتهم!!
نحن لا نبخس الناس اشياءهم ولا ننكر عليهم مصالحم ومطامحهم لكن ما نصبو اليه في هذا المقام هو ان يلحظوا او يحفظوا مصالحنا في سياق مصالحهم وألا يجعلوا من الشعوب والاستعداء عليها وعلى ثرواتها وقوداً "للدفاع عن ذواتهم ومصالحها، ولا يستخدموا حقوق الانسان ومقولات التحرر والحريات الديمقراطية أقوالاً من دون التزام بأفعال، وبالتالي تعهير هذه المثل والقيم لصالح استخدامها فزاعة وأدوات قتل واجرام لضمان تلك المصالح وذلك أضعف الإيمان.
ولعمري إن ما يفعله رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من خداع وقول الشيء وفعل نقيضه، لا يقل سوءاً عما يجري اليوم من سلوكيات وسياسات ومواقف دولية غير جادة ولا مسؤولة تجاه حقن دماء الشعب الليبي من براثن الطغاة، والفرق بين الحالتين في موقف هؤلاء وما يقترفه نتنياهو، ليس الاّ الجغرافيا ومستويات البشاعة والقتل وحجم الدماء المسفوحة، بل إنها الاحتلالات الحديثة مقابل آخر الاحتلالات القديمة.
نعم، هم يقولون لنا صراحةً فعلاً وقولاً: "مصالحنا أولاً ومن بعدنا الطوفان" يوم لا تنفعنا الاعراف ولا القوانين ولا الأخلاق امام غول المصلحة هذا.
ولأن الأمر كذلك، نشهد اليوم مأساة الشعب الليبي الذي وضعته مصالح المستعمرين الجدد تحت ناب الغول الذي بات يقضم البلاد والعباد شبراً شبراً وفرداً فرداً تحت سمع وبصر العالم والقوى المستبدة بالثروات والشعوب، التي تتهرب من مسؤولياتها وواجباتها وتتلكأ في اتخاذ قرار حاسم لحماية الشعب الليبي، ليعطوا للقذافي فرصة الحسم العسكري ليذبح الشعب والثورة ويديم كرسي الحراسة ساهراً على مصالحهم.
وطالما ان الأمر والحالة هذه يتعلق باستسهالهم إعطاء الفرص حتى للنظم الحاكمة في قمع الشعوب وذبحها حين يتصل الأمر بحماية مصالحهم ونفوذهم.
يبقى السؤال هو اننا في أيلول المقبل قد نكون امام اعتراف 140 دولة بقيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 67،وهذا لم يكن بفضل أعمال ونشاطات وفتوحات عسكرية،بمقدار ماهو نتاج لمنجزات سياسية وديبلوماسية، وحصافة رأي وموقف، في مواجهة سياسات المعتدين بمنطقهم الذي طالما واجهوا به سياساتنا، وفي سحب الذرائع من أيديهم، وانكشافهم على حقيقتهم أمام العالم، من خلال مصداقيتنا الجادة بالسلام الحقيقي، التي أثبتت للمجتمع الدولي عدم مصداقيتهم، وجعلتهم اكثر عُرياً وتصدعاً وبظهور وبطون مكشوفة.
من باب أولى ان تعطوا الحياة فرصة بدلاً من اعطاء الطغاة في ذبح الشعوب فُرَصاً، ومن باب أولى ان تعطوا الشعوب والسلام فرصة بدلاً من إعطائكم المحتلين ومستوطنيهم فرصاً.
فهل سيطلق مجلس الأمن الدولي في أيلول المقبل صافرة النهاية لفرصة اسرائيل طويلة الأمد التي طالت بذبحنا سياسياً وعسكرياً وعلى جنوبهم، ويُعلن لأول مرة إطلاق الفرصة للشعب الفلسطيني لإقامة دولته الحرة المستقلة والخالية من الاحتلال؟
سؤال بظهر الغيب وميزان العَيبْ وغد لناظره قريب.
المصدر
- مقال:هل يشهد أيلول صافرة قيام الدولة..؟المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات