واقع الحركات الإسلامية السنية في إيران

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

واقع الحركات الإسلامية السنية في إيران يحكمه عدد من المفارقات، في طليعتها أن هذه الحركات تجد نفسها أسيرة الشعور بأنها أقلية تعيش في ظل دولة يحكم توجهاتها حيالها الانغلاق المذهبي، وبرغم ما تجزم به هذه الحركات من أن تعسفا واضطهادا يجري بحقها، وأن هناك نهجا سائدا يقوم على تهميشها وتقليص مستوى حضورها في الشأن العام، فإنها تظل مثابرة في طريق تثبيت رؤيتها القائمة على التوجه السلمي واعتماد الحوار كخيار أوحد لتذليل العقبات والعراقيل التي تعترض طريقها نحو الاندماج في التركيبة الوطنية والحد من غلواء التمييز المذهبي.


وللتعرف على تفاصيل الجانب الحركي لدى الإسلاميين السنة في إيران كان لنا هذا اللقاء مع صباح الموسوي الكاتب العربي الأحوازي المقيم في كندا، مدير موقع "المركز العربي الكندي" لمتابعة قضايا الأقليات في إيران والخبير في الشئون الإيرانية.


خريطة للحركات الإسلامية السنية في إيران

- تتوزع خريطة الحركة الإسلامية (السنية) في إيران بحسب التنوع القومي والمناطقي للبلاد، حيث لعب هذا التنوع دورا كبيرا في تعدد الحركات وتنوع مناهجها الفكرية والسياسية، ففي مناطق الأكراد الواقعة غرب البلاد نجد أن الحركة الإسلامية تتوزع على ثلاثة تيارات، هي: الصوفية، والإخوان المسلمون، والسلفية، والأكراد بشكل عام يشكلون العدد الأكبر من بين أهل السنة في إيران البالغ عددهم قرابة عشرين مليون نسمة، ومن بين أبرز الحركات الإسلامية العاملة في الساحة الكردية:


1- جماعة الدعوة والإصلاح (إخوان مسلمون) تأسست عام 1979م، وكان من أبرز مؤسسيها المرحوم العلامة أحمد مفتي زاده، والمرحوم الأستاذ ناصر سبحاني، وهما من الشخصيات الإسلامية الكردية المعروفة على المستوى الإيراني، وقد أعدم أحدهما واغتيل الآخر على يد السلطات الإيرانية.


2- منظمة "خبات" الثورية الإسلامية، وتأسست عام 1980م، وكلمة "خبات" باللغة الكردية تعني: النضال أو الكفاح، ومؤسس المنظمة هو المرحوم الشيخ خضر عباسي.


3- جماعة "الموحدين الأحرار" تأسست في عام 1992م بزعامة موسى عمران، وهي تعبر عن نفسها بأنها حركة توحيدية اجتهادية، وتدعو إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه وإقامة جمهورية إيرانية شعبية اتحادية.


4- شورى المسلمين السنة "شمس"، وهو تجمع للحركات والشخصيات الإسلامية السنية تأسس مطلع عام 1980م، ولكنه تعرض إلى ضربة قوية من السلطات الإيرانية، حيث أعدم الكثير من مؤسسيه، وأجبر بعضهم على الخروج من البلاد نتيجة تعرضهم لملاحقة الأجهزة الأمنية، وبقي التجمع يعمل بشكل سري، ومن أبرز العلماء الذين أسهموا في إنشاء هذا المجلس العلامة الشيخ عز الدين الحسيني، الشخصية الإسلامية الكردية المعروفة، والذي يعيش حاليا في المهجر بسبب ملاحقة السلطات الإيرانية له.


كما يوجد في الساحة الكردية أيضا العديد من العلماء والشخصيات الإسلامية التي تميل إلى المنهج السلفي، ولها شعبية وأثر واضح في الساحة، ولكنها تعمل بشكل فردي، ومن هذه الشخصيات، على سبيل المثال، الشيخ أيوب كنجي، والشيخ حسن زارعي، والشيخ حسين الحسيني، وغيرهم، وهؤلاء أغلبهم معتقلون في السجون الإيرانية بتهمة حملهم أفكارا وهابية، حسب زعم السلطات الإيرانية التي تعتبر السلفية جماعة وهابية يجب مطاردتها وتصفية كل من ينتمي لها.


حركات البلوش والتركمان

لكن ماذا عن الإسلاميين من غير الأكراد؟

- موجودون في الشرق، وتحديدا في إقليم (سيستان وبلوشستان)، حيث موطن السنة البلوش، والحركة هناك تتوزع بين تيارين رئيسيين، هما: التيار السلفي، وجماعة التبليغ والدعوة، ويعود نشاط الحركة الإسلامية في إقليم بلوشستان إلى مرحلة بعيدة، حيث يعد هذا الإقليم المنطقة الوحيدة في إيران التي لم تتمكن التيارات العلمانية من إيجاد قاعدة لها فيه، وذلك بفضل النشاط الإسلامي الواسع للعلماء والحركات الإسلامية في هذه المناطق.


وقد لعب علماء هذه المنطقة دورا كبيرا في مقارعة نظام الشاه السابق وإسقاطه، ومن بين هؤلاء العلماء الكبار كان المرحوم مولوي عبد العزيز ملا زاده، (الذي تم اعتقاله عقب انتصار الثورة الإيرانية ضمن أربعمائة عالم دين ومثقف سني، بتهمة تأسيسهم شورى المسلمين السنة "شمس"، وبعد إطلاق سراحه أسس الحركة المحمدية السنية، والمرحوم الدكتور مولانا عبد العزيز كاظمي، والمرحوم الشيخ مولوي حبيب الله حسين، والمرحوم الشيخ مولوي عبد الستار، والمرحوم مولوي عبد الملك ملا زاده، والمرحوم العلامة محمد سربازي، وهؤلاء كلهم إما أعدموا، وإما تم اغتيالهم على يد نظام الجمهورية الإيرانية، ولكن هذا القمع لم ينهِ دور الحركة الإسلامية وعلماء الدين في بلوشستان، بل على العكس من ذلك نجد اليوم أن الحركة الإسلامية نشطة جدا في هذه المنطقة.


ويوجد اليوم في بلوشستان تنظيمات إسلامية عديدة، ومن أبرزها يمكن ذكر:


1- حزب الفرقان، الذي تأسس عام 1996 على يد الشيخ جليل قنبر زهي شه بخش، ويعد الحزب من أبرز الحركات المنضوية تحت لواء التيار السلفي.


2- حركة جند الله، بزعامة الشيخ عبد المالك ريكي، وقد تأسست عام 2002، وهي من الحركات السلفية التي تعمل لرفع الظلم ونيل حقوق أهل السنة عامة والشعب البلوشي خاصة، وقد تمكنت الحركة خلال هذه الفترة القصيرة من عمرها من أن تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة بين البلوش وأهل السنة عامة.


3- حركة الجهاد الإسلامي، بزعامة صلاح الدين البلوشي، وقد تأسست قبل عامين تقريبا، ولها نشاط ملموس في بلوشستان، وإلى جانب هذه الحركات توجد جماعات وحركات أخرى تنشط في الإقليم، وجميعها تعمل لهدف واحد، هو رفع الظلم والتمييز الطائفي والقومي عن الشعب البلوشي وأهل السنة عامة.


* هل ثمة دور حركي للتركمان السنة في إيران؟

- في محافظة (تركمنصحرا) شمال شرق إيران، حيث أغلب السكان من التركمان السنة، نرى إن السائد في تلك المنطقة هو تيار التصوف على الطريقة الجيلانية، والنشاط الإسلامي في تلك المنطقة يتمثل في دور المدارس الدينية التي يديرها المشايخ والعلماء، وعلى الرغم من وجود أكثر من 1.5 مليون مسلم سني في (تركمنصحرا) فإن المنطقة لم يعلن فيها عن وجود تنظيم إسلامي سياسي، والأمر كذلك في إقليم خراسان، حيث يوجد ما يقارب مليون مسلم سني من أصول عربية وطاجيكية وأزبكية، فلا يوجد تنظيم أو حركة سياسية للسنة في تلك المنطقة، والولاءات في تلك المنطقة تتوزع بين التيار السلفي والصوفية والإخوان.


ويتعرض أهل السنة في خراسان كغيرهم من أبناء السنة في إيران إلى تمييز واضطهاد شديد، وقد تعرض العديد من علمائهم ودعاتهم للاعتقال والإعدام والاغتيال، ومن جملة من أعدم أو اغتيل من علماء تلك المنطقة هم: الشيخ مولوي عبد العزیز الله یاري، والشيخ مولوي نور الدين غريبي، والشيخ موسى كرمي، والأخير كان إمام وخطيب جامع الشيخ فيض المعروف في مدينة مشهد، والذي تم هدمه عام 1993بأمر من مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.


الحركة السنية في الأحواز

بالنسبة لأهل السنة في المناطق الجنوبية على الساحل الشمالي والشرقي للخليج العربي، وفي جزره المأهولة، فإن السائد في تلك المناطق المنهج السلفي وجماعة الدعوة والتبليغ، ولا يوجد نشاط لحركة إسلامية منظمة في تلك المنطقة، ويجري العمل الدعوي فيها بواسطة الدعاة والمشايخ الذين يديرون نشاطهم من خلال المدارس الدينية، حيث تكمن الزعامة الدينية هناك في مدرسة الشيخ سلطان العلماء، التي مركزها ميناء "لنجة"، وعلى الرغم من سلمية العمل الدعوي وابتعاد أهل السنة في تلك المنطقة عن العمل الحزبي والسياسي فإنهم لم يسلموا من الأذى والاضطهاد، حيث كان مسجد الجامع في ميناء "لنجة" قد تعرض إلى هجوم من قبل الحرس الثوري الإيراني أوائل الثمانينيات، وجرت فيه مذبحة راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى من المصلين والمعتكفين.


وفيما يتعلق بإقليم الأحواز العربي فالنشاط الإسلامي الحركي فيه حديث النشأة، ولم يتمكن بعد من ترسيخ وجوده بالشكل الذي هو عليه في المناطق الكردية والبلوشية والمناطق السنية الأخرى، حيث إن الشعب في الأحواز غالبيته على المذهب الشيعي (برغم أن الأحواز إلى زمن غير بعيد كانت سنية وكانت مركزا للمعتزلة)، كما أن الوجود السني في الأحواز إلى ما قبل الثورة الإيرانية لم يكن له عمل مؤسساتي أو طموح سياسي يدفعه للعمل الحركي.


وبعد سقوط الشاه وقيام نظام الثورة زادت السلطات الإيرانية من ضغوطها على عرب الأحواز، وأخذت تعمل على إلغاء هويتهم العربية، وبدأت تستعمل الخرافات والطقوس الصفوية بشكل واسع من أجل الهيمنة الفكرية والثقافية على الشعب الأحوازي، إلا أن هذه السياسة أوجدت انقلابا فكريا وعقائديا في الوسط الأحوازي، أو ما يمكن تسميته بعملية العودة إلى الجذور والانتماء إلى الفكر الإسلامي السني الذي كان سائدا في الإقليم إلى ما قبل القرن التاسع الهجري، ولكن برغم ذلك لم تتبلور بعد حركة إسلامية يمكن أن تكون بمستوى الحركات الإسلامية في بلوشستان أو كردستان ليكون لها منهج وأطر فكرية محددة، وذلك بسبب جملة من العوائق، منها طبيعة الصراع وشدة القمع الذي تمارسه السلطات الإيرانية والتي قامت باعتقال إمام أهل السنة في الإقليم "الشيخ عبد الحميد الدوسري"، وأصدرت ضده حكما بالسجن سبع سنوات، وأغلقت جامع الإمام الشافعي، المسجد الوحيد لأهل السنة في الإقليم، إضافة إلى الاعتقالات والإعدامات في صفوف العديد من النشطاء الإسلاميين، فكل هذه العوامل وغيرها شكلت عائقا إلى الآن في تكوين حركة ذات منهج إسلامي واضح، فما هو موجود حاليا نوع من التزاوج الفكري بين العروبة والإسلام.


المشارب الفكرية للحركات السنية

* ماذا عن المشارب الفكرية للإسلاميين السنة؟ وهل من أدبيات أو كتب معينة يتداولونها؟

- المناهج والمشارب الفكرية الرائجة بين أهل السنة في إيران تتمثل في: السلفية، والتبليغ والدعوة، والإخوان المسلمين، والصوفية، والكتب والأدبيات المتداولة بين أتباع هذه المناهج والتيارات الفكرية هي ذات الكتب الدينية المتداولة في البلاد الإسلامية، فأغلب علماء أهل السنة في إيران هم خريجو الجامعات الإسلامية في المدينة المنورة وباكستان والأزهر، ويدّرسون تلاميذهم ذات الكتب والأدبيات التي قرءوها وتعلموها هناك، والجدير بالذكر أن أغلب سنة إيران هم أحناف وشوافع (نسبة إلى مذهب الإمام الشافعي).


* ماذا عن الفكر الجهادي؟ وما مدى تواجده أو انتشاره بين هذه الحركات؟

- في الواقع فإن أغلب علماء ودعاة السنة في إيران، وبرغم اختلاف مناهجهم، دائما يؤكدون على الوسطية، ويحثون على الابتعاد عن التطرف، ولا يوجد من العلماء أو المثقفين الإسلاميين البارزين من يدعو إلى التشدد، ولولا حكمة وصبر هؤلاء العلماء والمثقفين الملتزمين لانفجرت الأمور، ودخلت إيران في دوامة حرب طائفية وقومية لا يعلم عقباها إلا الله، حيث إن الظلم والاضطهاد الذي يمارسه النظام على أهل السنة والقوميات غير الفارسية ليس له مثيل.


ما هي أبرز مؤسسات العمل الإسلامي الرسمي؟


- أهم وأكبر مسجد ومدرسة دينية لأهل السنة هناك، هو الجامع "المكي" إضافة إلى جامعة "دار العلوم الإسلامية" التي توجد في مدينة زاهدان مركز إقليم بلوشستان.


* بشكل عام.. ماذا عن المساحة المتاحة لتحرك المنظمات والهيئات السنية دعويا وتنظيميا؟


- هذه الجماعات جميعها ممنوعة من العمل، بل مطاردة من قبل النظام، وعملها يتم بشكل سري، حتى المدارس والجوامع المرخص لها بالعمل في مناطق ذات الأغلبية السنية هي أيضا مراقبة من قبل الأجهزة الأمنية، ولا يسمح لها بالعمل إلا في حدود ما يدخل ضمن قائمة المسموحات التي وضعتها وزارة الثقافة والإرشاد.


وفي بعض المناطق السنية في غرب وشمال إيران هناك ما يسمى "المركز الإسلامي الكبير"، وهو عبارة عن مركز حكومي تأسس بإشراف وزارة الأمن (الإطلاعات) مهمته الإشراف على مناهج التعليم في المدارس الدينية والنشاط الدعوي لأهل السنة، ومن يحاول العمل بعيدا عن البرامج التي وضعها المركز المذكور فإنه يعتقل ويحاكم، وهذا ما حصل مع العديد من علماء ودعاة أهل السنة في المحافظات الكردية وفي خراسان وبلوشستان، فهناك الآن العديد من علماء ودعاة ومثقفي أهل السنة من أبناء هذه المناطق يقبعون في المعتقلات والسجون، ومنهم على سبيل المثال: الشيخ عبد العلي خير شاهي، من علماء خراسان، والشيخ أيوب كنجي من كردستان، والشيخ أحمد ناروئي من إقليم بلوشستان، والشيخ عبد الحميد الدوسري من إقليم الأحواز، وغيرهم الكثير من العلماء والدعاة المعتقلين حاليا في السجون الإيرانية.


العلاقات البينية للحركات السنية

*هل من سبيل للتعاون بين الحركات السنية أم أن كلا من هذه الجماعات تعمل بشكل انفرادي؟

- على مستوى العلماء والمفكرين ربما يوجد شيء من هذا القبيل، فبعد إسقاط نظام الشاه وانتصار (ثورة الشعوب) تأسس لأول مرة تجمع إسلامي سني موحد في إيران سمي "شورى المسلمين السنة - شمس"، وقد شارك فيه كبار علماء ومثقفي السنة بمختلف قومياتهم، الكردية والبلوشية والعربية والتركمانية والفارسية، ولكن النظام لم يرق له ذلك فقام بضرب هذا التجمع واعتقل المئات من أعضائه وأعدم واغتال بعضهم، واضطر بعضهم الآخر إلى الهجرة.


بعد ذلك لم نشهد عملا جماعيا موحدا، وأصبحت الحركات الإسلامية يعمل كل منها حسب طبيعة وضع الأجواء العامة في المنطقة التي ينشط فيها، وأوضاع المناطق السنية تختلف بين الواحدة والأخرى، ولكن في المحصلة هناك اتفاق عام بين الحركات الإسلامية السنية على الحقوق التي تطالب بها، وإن اختلف أسلوب كل منها في العمل على تحقيق هذه المطالب.


* هل تجد الحركات السنية من تتعاون معه من بين شيعة إيران في ظل أرضية مشتركة للتفاهم؟

- الحركات السنية خطابها إسلامي شمولي موجه إلى جميع الإيرانيين، بمختلف قومياتهم ومذاهبهم، ودائما تنادي بالوحدة الوطنية كأساس للوحدة الإسلامية، ولكن المشكلة في الطرف الآخر، وهو أن الحركات والتنظيمات (غير السنية) الموجودة في الساحة موالية للنظام وتعمل في إطار سياسته، وهي غير قادرة على فصل خطابها وعملها عن خطاب هذا النظام.


وحتى التيار الإصلاحي الذي يقوده الرئيس السابق محمد خاتمي لم يسعَ إلى خلق أرضية مشتركة مع الحركة الإسلامية السنية، على الرغم من حديثه عن حقوق السنة واعترافه بمعاناتهم، ولكن هذا الكلام يأتي في إطار الشعارات الانتخابية، ولم يعمل لتجسيده على أرض الواقع، ومع ذلك نجد أن بعض الحركات الإسلامية كجماعة "الدعوة والإصلاح" مثلا عملت جادة على بناء جسور مع بعض تنظيمات التيار الإصلاحي، ولكنها فشلت في تغيير موقف تلك التنظيمات من الحركة الإسلامية السنية.


العلاقة مع الإسلاميين العرب

* هل تلحظ تشابها بين إسلاميي إيران وامتداداتهم الحركية في العالم العربي والإسلامي؟

- طبيعي أن الخطاب الإسلامي هو خطاب موحد بالأساس، ولكن اختلاف القضايا من بلد إلى آخر هو الذي يميز أحيانا بين أولويات خطاب الحركات الإسلامية، فبينما نجد أن الخطاب الإسلامي الحركي في بلدان الخليج العربي يركز على البناء القيمي والاجتماعي ويأخذ طابع النصح والإرشاد، نجده في مكان آخر يحمل طابعا سياسيا وثوريا أحيانا، كما هو حاصل في باكستان وأفغانستان والعراق أو مصر والسودان وغيرها، حيث إن أغلب مناطق سنة إيران في الشرق والغرب والجنوب والشمال هي مناطق حدودية، وأغلب الدول المحاذية لهذه المناطق تشهد حراكا إسلاميا شديدا، ولهذا لا يمكن أن نقول إن سنة إيران بعيدون عن هذا الحراك أو أنهم غير متأثرين به.


* ماذا عن علاقة النظام الإيراني بهذه الحركات والمنظمات المنتشرة في أنحاء البلاد والمختلفة معها مذهبيا؟

- في الواقع لا توجد أي علاقة بين النظام الإيراني والحركات الإسلامية، فهناك قطيعة كاملة بسبب أن النظام يرفض إعطاء التراخيص لأي حركة سنية، برغم منحه تراخيص لأحزاب وتنظيمات فارسية قومية متطرفة، كحزب "بان إيرانيسم"، و"حزب الأمة الإيرانية"، و"الجبهة الوطنية" وغيرهم، فنظرة النظام للحركات الإسلامية السنية نظرة عدائية واستئصالية، كما أن النظام يعتبر هذه الحركات غير إسلامية أصلا باعتبار أنها لا تؤمن بنظرية ولاية الفقيه، وهذا هو الشرط الأول والأساسي الذي وضع لمنح التراخيص للجمعيات والحركات الراغبة بالعمل الثقافي أو السياسي.. فجميع الحركات السنية غير مرخصة، وتعمل بشكل سري، ويقوم النظام بملاحقتها وقمعها.


وأود أن أشير إلى أن حركة الدعوة والإصلاح (إخوان إيران) هي الحركة الوحيدة التي تعمل بشكل علني، ولكنها لم تحصل على ترخيص رسمي بعد، وعملها يتم تحت غطاء غض النظر، وقد سمح النظام بالنشاط البسيط لهذه الجماعة لاعتبارات سياسية، داخلية وخارجية، منها أن الجماعة منضوية تحت لواء ما يسمى بالتيار الإصلاحي، ولديها أعضاء منتمون لـ "منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية" صاحبة النفوذ في السلطة، ثانيا أن النظام تربطه علاقات طيبة بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، كما أن سياسة هذه الجماعة في التعاطي مع غطرسة النظام ضد أهل السنة قائمة على مجرد العتاب، وليس النقد الحازم أو الإدانة الصريحة، ومع الأسف فإن الجماعة تبرر مواقفها هذه بالقول إنها جماعة ملتزمة بمنهج الوسطية، بعيدة عن التطرف وإثارة الخلافات!! وكأن الوسطية تمنع قول الحق والدفاع عن المظلوم!! ولهذه الأسباب يغض النظام الطرف بعض الشيء عن نشاط جماعة الدعوة والإصلاح.


تعدد المضايقات من قبل الدولة

* ما هي أبرز المضايقات التي تستهدف بها الدولة هذه الحركات والمنظمات؟

- بشكل عام.. فإن الحركات الإسلامية السنية مستهدفة ومطاردة من قبل النظام، وقد أعدم العديد من أعضاء هذه الحركات بدعوى أنها حركات غير قانونية ومخالفة للنظام، ومن جملة من أعدم مؤخرا من أبناء هذه الحركات: الشيخ عبد القدوس ملازهي، مدير مدرسة "دار الفرقان" الدينية في مدينة إيرانشهر في إقليم بلوشستان، والشيخ محمد يوسف سهرابي، وهو أيضا أستاذ في المدرسة المذكورة، وقد جرى إعدامهما في شهر أبريل (نيسان) 2008 بتهمة مساندة حركة "جند الله"، وفي نوفمبر الماضي اغتالت عناصر منسوبة إلى الاستخبارات الإيرانية الشيخ علي دهواري، وهو أحد العلماء البارزين بمدينة سيروان في بلوشستان.


* في ظل هذا التضييق الحاصل كيف يعمل الإسلاميون؟


- أولا أريد التأكيد على أن التضييق والملاحقة أمر قائم ويمارس بأشكال مختلفة، وآخر ما قام به النظام الإيراني في هذا الإطار هو القرار المجحف والظالم الذي أصدره ما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية، الذي يترأسه رئيس النظام محمود أحمدي نجاد، والذي قرر في جلسته رقم 613 التي عقدت بتاريخ 8/8/86 هـ.ش (التاريخ الإيراني) الموافق 28 كانون الأول 2007، والذي قضى بتشكيل لجنة حكومية تقوم بالتخطيط ووضع المناهج التعليمية والإدارية للمدارس الدينية السنية.


وهذه اللجنة جميع أعضائها من ملالي النظام، وليس فيهم أحد من علماء السنة، وفي شهر سبتمبر الماضي وجه حوالي عشرين مندوبا سنيا في البرلمان الإيراني رسالة إلى الرئيس الإيراني انتقدوا فيها هذا القرار واعتبروه تدخلا في الشئون الدينية لأهل السنة، واعتبروا القرار فيه تمييز طائفي صريح لكونه لا يشمل الحوزات الدينية الشيعية التي لا تخضع لسلطة الحكومة وتدفع باستقلاليتها.


كما أن رئيس جامعة دار العلوم الإسلامية في إقليم بلوشستان وأبرز علماء أهل السنة في إيران سماحة العلامة الشيخ عبد الحميد قد انتقد بشدة هذا القرار، ووجه خطابا شديدا للمسئولين في النظام قال فيه: "نحن إيرانيون، ويجب أن تكون لنا الحقوق المدنية والسياسية الكاملة، ومن حقنا أن نطالب بالعدل والمساواة.. لسنا معادين للنظام، فلماذا هذا التمييز؟!". وقد هدد بمقاطعة السنة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة إذا واصل النظام سياسته ضد أهل السنة وإصراره على تنفيذ القرار المذكور.


هذا ناهيك عما قام به النظام خلال العقود الثلاثة الماضية من هدم وإغلاق عشرات المساجد والمدارس الدينية لأهل السنة في مختلف المناطق الإيرانية.. في ظل مثل هذه الأجواء يعمل الدعاة والعلماء والحركيون الإسلاميون وهم يلاقون مشقة ومصاعب عديدة وكأنهم يعملون في ظل نظام شيوعي، وليس في ظل نظام يزاود على جميع دول وأنظمة العالم الإسلامي بإسلاميته!!