ورضوان من الله أكبر
أسمي مايتمناه المؤمن
أغلى ما يتمناه المؤمن وأسماه أن ينال رضوان الله تعالى وجنته،وقد وجّه القران الكريم المؤمنين ودلّهم على مفاتيح الرضا في كتابه العزيز،ومن هذه المفاتيح:أن يكونوا جماعة مؤمنة متكتلة متآخية متناصرة في تنظيم حركي يعرف أهدافه القريبة والبعيدة في إقامة دولة الإسلام والدفاع عن حرمات هذا الدين وأرضه ومقدساته وقد ذكرهم الله بقوله:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] (أي يوالي بعضهم بعضاً، ويتناصرون بأخوّة الإسلام ومودّته، وجهاد الأعداء ومقاومتهم من خلال تنظيم حركي جهادي يعرف أهدافه).
وقد ذكر الله أهداف هذا التنظيم بقوله: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71].
وهذه كلمة جامعة لأهداف الدعوة الإسلامية في إقامة حكم الله وشرعه وهو المعروف،وتطهير الأرض من المعاصي وهو النهي عن المنكرات.
ثم ذكر أخلاق هذه الجماعة: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
وكلمة (عزيز) تعني الغالب الذي لا يعجزه شيء، و(الحكيم) الذي يعطي الجماعة المسلمة القائمة بأمر الله ما تستحقه من نصر وتأييد؛ فمن حكمة الله أن يمكِّن الصالحين الصادقين.
وعدالله للمجاهدين
ثم ذكر الله تعالى ما ينتظر رجال الدعوة المجاهدين لإقامة دولة الاسلام ومواجهة أعدائه بتناصرهم وتضحياتهم وصدقهم، فقال: {وَعَدَ الله الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:71].
قال العلماء {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً}: قصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد.
و{عَدْنٍ}: عَلَمٌ يدل عليه ما روى أبو الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله (عدن): "دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، ولا يسكنها من بني آدم غير ثلاثة: النبيّون والصدّيقون والشهداء، يقول الله تعالى: طوبى لمن دخلك".(رواه البزار، وروى الحاكم نحوه على شرط الشيخين مرفوعاً).
وهنا أذكر بعض الأحاديث التي ذكرها ابن كثير في نعيم المؤمنين في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" (متفق عليه).
وفي الحديث أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان فإن حقّاً على الله أن يدخله الجنة؛ هاجر في سبيل الله أو حُبس في أرضه التي ولد فيها". (صحيح البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة مئة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن".(صحيح البخاري).
{وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ} :أي رضوان الله على المؤمنين في الجنة أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك؟ فيقول: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ".(صحيح البخاري).
قال الإمام الزمخشري في تفسيرها {وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ}: "أي وشيء من رضوان الله أكبر من ذلك كله؛ لأن رضاه هو سبب كل فوز وسعادة،ولأنهم ينالون برضاه عنهم تعظيمه وكرامته،والكرامة أكبر أصناف الثواب، ولأن العبد إذا علم أن مولاه راضٍ عنه فهو أكبر في نفسه مما وراءه من النعم،وإنما تتهنأ له برضاه كما إذا علم بسخطته تنغّصت عليه ولم يجد لها لذة وإن عظمت.
وقال بعض العلماء: لا تطمح عيني ولا تنازع نفسي إلى شيء مما وعد الله في دار الكرامة كما تطمح وتنازع إلى رضاه عني وأن أحشر في زمرة المهديين المرضيين عنده.
ذلك الفوز العظيم إشارة إلى ما وعد الله أو إلى الرضوان هو الفوز العظيم وحده دونما يعدُّه الناس فوزاً".
اقسام الناس عندما تحيط الاخطار بالاسلام
في ساعات الشدة وحين تحيط الأخطار بالإسلام والمسلمين ينقسم الناس إلى أقسام؛منهم من يقف على الحياد متفرجاً يصدق فيه قول الشاعر:
وأَحَطُّ خلق الله في بلدٍ طَغَت فيه الرزايا من يكون مُحايداً
حين تكون المعركة بين الإيمان والكفر، بين اليهود الذين يريدون أن يهدموا الأقصى وبين المجاهدين الذين يدافعون عن دينهم وشرفهم لا يجوز الحياد وهناك قوم منافقون يتعاونون مع العدو يشترون بضائعه ويُصدّرون له ويُطبّعون معه ويبنون الجدار الذي يحرم المجاهدين من أسباب عيشهم وحياتهم، هؤلاء الذين وصفهم الله بقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة:67-68].
وكلمة {بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} أريد بها نفي أن يكونوا من المؤمنين، وقوله {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ} أي بالكفر والمعاصي،ومنها التعاون مع الأعداء والتطبيع معهم وتغريب المجتمع الإسلامي بالقوانين الغربية وخاصة قوانين الأسرة التي تهدم حصوننا من الداخل، وتجرف القيم الإسلامية والأخلاق الإسلامية عن طريق التشريع والقوانين، وعن طريق التطبيع والإعلام وأنواع الفساد، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} أي عن الإيمان والطاعات والجهاد والمقاومة،{وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أي لا يتصدقون ولا يبذلون على الجهاد والمجاهدين، {نَسُوا الله} أي أغفلوا أمره {فَنَسِيَهُمْ} فتركهم من رحمته وفضله،
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي هم الكاملون في الفسق الذي هو التمرد في الكفر والانسلاخ عن كل خير، {خَالِدِينَ فِيهَا} مقدرين الخلود لهم {هِيَ حَسْبُهُمْ} دلالة على عِظَم عذابها وأنه لا شيء أبلغ منه،وأنه بحيث لا يزاد عليه، نعوذ بالله من سخطه وعذابه، {وَلَعَنَهُمُ الله} أي وأهانهم وجعلهم مذمومين ملحقين بالشياطين الملاعنين، {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} أي نوع من العذاب دائم يشمل خزي الدنيا وخزي الآخرة لا ينفكون عنه.
وأما القسم الآخر فهم المؤمنون الصالحون الذين يقفون في وجه الفتنة ويقاومون الأعداء؛ ففي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا معه في غزوة بدر وأحد والخندق والحديبية والأحزاب وحنين، وكان منهم الحارث بن النعمان الذي رآه جبريل بعد غزوة حنين، وكان جبريل يتحدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "من هذا؟ قال: هذا حارثة بن النعمان.قال: هذا من المئة الصابرة المقاومة معك في حنين، لو سلّم لرددنا عليه السلام.وبشّره بالجنة وفردوسها". (سير أعلام النبلاء).
وفي أيامنا هذه نجد هذه الطائفة المؤمنة المنتصرة من أهلنا الذين يجاهدون في غزة يحاصرهم العدو من البر والبحر والجو، ويتحالف مع العدو من لا دين له ولا كرامة من الخَوَنة المرتزقة من أجل القضاء على آخر حصن من حصون المقاومة، وها هم ثابتون على العهد في فلسطين،في غزة،في العراق، في الشيشان، في أفغانستان، في باكستان، في لبنان، أيّدهم الله بنصره.
ويأتي سؤال:ما الحل، كيف نقاوم؟ والجواب: {وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ} إنهم شباب القرآن الذين فقهوا روح الإسلام وعرفوا طريقه وآمنوا بالله ورسوله وعرفوا سيرته وسير أصحابه واقتدوا بمنهجه كي ينالوا رضوان الله.
هما طائفتان
أ. الطائفة المؤمنة المجاهدة الحاملة لرسالة الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة.
ب. الطائفة المنافقة الموالية لأعداء الإسلام سياسة وفكراً وثقافة وقانوناً وقيماً وأخلاقاً التي تحمل رسالة المستعمر في بلاد المسلمين بتحريم الجهاد ومنع أسبابه،وتحريم الكلمة الطيبة التي تأمر بالمعروف والجهاد وتنهى عن المنكر، والتطبيع والاستسلام.
هذه الطائفة المنافقة هي التي تقود الأمة إلى الهزيمة ليقف في وجهها جند الله وأنصار دينه الذين أثنى الله عليهم بقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وينتظرون البشرى برضوان الله وجناته {وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
اللهم اجعلنا منهم وارزقنا رضاك وجنتك وصحبتهم يوم الدين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر
- مقال:ورضوان من الله أكبر موقع الفرقان