عبد الناصر وحريق القاهرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد الناصر وحريق القاهرة


مقدمة

جمال عبد الناصر

كان حريق القاهرة (26/1/1952م) أبشع حدث تعرضت له مدينة القاهرة خلال القرن العشرين، وأكثر صفحات تاريخها غموضًا، وأشدها تأثيرًا في مجريات الأحداث.

وظل هذا الحادث لغزًا لا يدري أحد من قام به على وجه اليقين؟

هل رتبته إحدى الجهات صاحبة المصلحة في إجهاض حركة الشعب الثائرة ضد الفساد والاحتلال؟

أم هل بدأ عفويًا تلقائيًا كرد فعل لما حدث من مذبحة لرجال الشرطة المصريين في الإسماعيلية في اليوم السابق، ثم استغلته جهات مختلفة، وحاولت استثماره ليخدم مصالحها وأهدافها؟

ليس هذا موضوع مقالنا، ولكننا سنتناول جزئية محددة، وهي:

ما صلة عبد الناصر بهذا الحدث؟ وهل كان له دور فيه أو مشاركة في أحداثه؟ وماذا تقول الوقائع والوثائق والاعترافات والشهود؟


(1) الأسلحة الغامضة وفزع عبد الناصر يوم الحريق.. لماذا؟

أول ما يلفت النظر في هذه القضية هو طلب عبد الناصر- وهو في حالة فزع وخوف- من أصدقائه صلاح شادي وحسن العشماوي وعبد القادر حلمي، نجدته ومساعدته في نقل أسلحة وذخائر ومتفجرات إلى مكان أمين؛ خوفًا من التفتيش:

يقول اللواء صلاح شادي: "في ظهر هذا اليوم 26 يناير سنة 1952 م اتصل بي عبد الناصر تليفونيًا كي أذهب إليه في منزله فوجدته في حالة من الاضطراب لم أعهده عليها من قبل! وطلب مني الإسراع في نقل أسلحة وذخائر موجودة لدى مجدي حسنين في مدرسة الأسلحة الصغيرة لخوفه من تفتيش المكان بمناسبة الحريق! واتفقنا على موعد ذهابي إلى هناك، واتصل هو بمجدي حسنين وأبلغه الموعد.. ولكن استلفت نظري سؤاله المتكرر لي: "هم صح الإخوان ما اشتركوش في الحريق ده؟".. فأجبته بالقطع في عدم اشتراكهم طبعًا، فهذا لا يتسق مع ديننا ولا نظرتنا للمصلحة، فكرر سؤاله جملة مرات مما استوقف خاطري.. ولكن الوقت لم يسمح لنا بطرح هذا الموضوع معه للمناقشة من جانب الحل والحرمة".

وتوجهت إلى مدرسة الأسلحة الصغيرة ومعي الإخوة منير دله وعبد القادر حلمي بسياراتهم والتقينا هناك بمجدي حسنين، ونقلنا هذه الأسلحة والذخائر برمتها إلى منزل الأخ حسن العشماوى تمهيدًا لنقلها بعد ذلك إلى عزبة والده المرحوم محمد العشماوى بالشرقية، وهي نفس الأسلحة التي ضبطها عبد الناصر وقدَّم فيها حسن العشماوى للمحاكمة لإحرازه أسلحة وذخائر بقصد قلب نظام الحكم في يناير سنة 1954 م".

ويعلق صلاح شادي على هذه الواقعة بقوله: "لا أستطيع أن أتجاهل ما تُشير إليه هذه الواقعة التي رويتها عن مخافة عبد الناصر من ضبط الأسلحة بمدرسة الأسلحة الصغيرة في هذا الوقت بالذات، فما دام الأمر بعيدًا عنه فماذا يريبه ويدعوه إلى هذا الاضطراب؟".

ويعلق أيضا حسن العشماوى، وقد نقل أسلحة ومتفجرات من منازل عبد الناصر وزملائه الضباط: "لم أسأل نفسي وقتذاك عن سبب وجود تلك المواد في بيوت عبد الناصر وزملائه، فقد حرصنا منذ بداية تعاوننا في القتال أن نجنبهم الشبهات، وأن نتسلم أولاً بأول ومن محطة القاهرة أو طريق السويس ما يصل من ذخيرة لنخرجه فورًا من العاصمة إلى مواقع استعماله.

لم أسأل نفسي ولم أسأل عبد الناصر سبب وجود تلك الأشياء عندهم، فقد كان كل ما يعنيني أن أنقذ رقابهم في ذلك الوقت العصيب".


(2) عبد الناصر يوزع الاتهامات بحرق القاهرة.. لماذا؟

وثاني الأمور اللافتة للنظر، هو اتهام عبد الناصر للإخوان المسلمين بحرق القاهرة دون أن يقدم على ذلك أي دليل، ثم اتهامه أيضًا للشيوعيين بحرق القاهرة دون أن يقدم ضدهم أي دليل أيضًا، ونتساءل لم هذا الحرص على إلقاء التهم جزافًا بمسئولية هذا الحادث على قوى سياسية مختلفة ومتناقضة، ولم يقدم ضدها أي دليل؟.

11/10/1953م اتهام الإخوان المسلمين بحرق القاهرة

في مذكرات إبراهيم طلعت المحامي الوفدي "أيام الوفد الأخيرة"

يتحدث عن زيارته لعبد الناصر في مجلس قيادة الثورة بتاريخ 11/10/1953م، وبحضور جمال سالم وننقل منه هذا الحوار:

"وصمت لحظات ثم قال: أنت ما تعرفش أن الإخوان همه اللي حرقوا القاهرة.

ووقع عليَّ القول وقع الصاعقة، وفغرت فمي من الدهشة، ووقفت مذهولاً مما سمعتُ، وقلت له: مش ممكن.. قول كلام تاني.. مش معقول الكلام ده.

وهنا سمعت جمال سالم يضحك بشدة.. ونظر إلى عبد الناصر، وقال بلهجة شبه عسكرية: اقعد.

وجلست مأخوذًا، ودار بيننا هذا الحديث المقتضب:

- أنت مش كنت محامي أحمد حسين في قضية حريق القاهرة؟

- أيوه

- قرأت القضية؟

- طبعًا

- طيب مش عيب وأنت محامي جهبذ ما تلاحظشي الحكاية دي.. دول يا أستاذ حرقوا القاهرة علشان يحكموا، ولما ما قدروش دبوا الراجل الطيب اللي كان زعيمي وزعيمك في يوم من الأيام علشان يتشنق بدلهم، وعلشان كده إحنا أفرجنا عنه وحفظنا القضية.

ولكني بالرغم من هذه المفاجأة التي لم أكن أتوقعها قط قلتُ له بإصرار: - برضه لأ.. مش ممكن.. أنا قرأت القضية، وماشفتش فيها حاجة من دي".

إبراهيم طلعت- أيام الوفد الأخيرة- ص 246-257.

21/8/1954 م اتهام الشيوعيين بحرق القاهرة:

في 21/8/1954 م في اجتماع أقيم بالمقر الرئيسي لهيئة التحرير قال عبد الناصر: "إن الشيوعيين الذين ينادون اليوم بالكفاح المسلح، هم الذين انتهزوا فرصة ذهاب المواطنين الأحرار إلى القنال، وحرقوا القاهرة لبث الفوضى وهم مستعدون لذلك دائمًا من أجل سادتهم الذين يمدونهم بالمال".


(3) عبد الناصر يشيد بحريق القاهرة.. لماذا؟

وثالث الأمور اللافتة للنظر والمثيرة للذهول والدهشة والاستغراب هو ثناء عبد الناصر بعد ذلك بسنوات على هذا الحادث الجريمة واعتباره بادرة للثورة الاجتماعية.

ففي حفل افتتاح مجلس الأمة سنة 1960 م تحدث عبد الناصر عن هذا الحريق فقال:

"لقد كان حريق القاهرة أول بادرة للثورة الاجتماعية على الأوضاع الفاسدة، وحريق القاهرة هو تعبير شعبي عن سخط الشعب المصري على ما كانت ترزح فيه مصر من إقطاع واحتكار واستبداد رأس المال".

كان هذا التعبير عن حريق القاهرة مذهلاً لكل الناس؛ إذ أن الجميع كانوا يعتبرون هذا الحادث أبشع الجرائم التي ارتكبت ضد مصر، فكيف جعله عبد الناصر أولى بوادر ثورته!

لقد أتاح هذا الحريق للإنجليز إيقاف كفاح الشعب ضدهم في القنال، وأتاح للملك فاروق أن يعين الإنجليز على شعبه في إسقاط الوزارة الوفدية التي بدأت مساندتها للشعب في كفاحه الفدائي ضد الإنجليز، وكانت هذه أول مرة يتفق فيها سلوك الحكومة مع رغبات الشعب ضد المستعمر الإنجليزي.

المثير أننا لم نجد أحدًا من مؤرخي الحقبة الناصرية والمدافعين عنها تناول هذا التصريح الغريب، وقدم له تفسيرًا أو تحليلاً أو تبريرًا.


(4) زلة لسان: عبد الناصر يعترف بدور له في حريق القاهرة

هل كانت زلة لسان عبد الناصر في حديث خاص له مع حسن العشماوي قبل قيام الثورة هي البيان البسيط والقريب لواقع الأمر، والتفسير الواضح لحقيقة الأحداث؟

يروي حسن عشماوي في كتابه "حصاد الأيام" ما دار بينه وبين عبد الناصر فيقول:

"وبدأت أناقش في هدوء- ودون دفاع عن وجهة نظر معينة- مدى مناسبة الظروف محليًا ودوليًا للقيام بثورة عسكرية تكون تمهيدًا لثورة شعب.. فلم يستطع عبد الناصر أن يضبط نفسه وقاطعني قائلاً:

لماذا إذن تكبدنا المتاعب والأخطار في سبيل إنزال قوات الجيش إلى شوارع القاهرة، لقد كاد الأمر يفلت من أيدينا، ويأتي حريق القاهرة بأخطر النتائج، ولكننا كسبنا نزول الجيش إلى الشوارع.. وهو يستطيع اليوم أن يستولى على الحكم في ساعة واحدة من ساعات الليل".


للمزيد عن الإخوان وثورة 23 يوليو

وصلات داخلية

كتب متعلقة

.

ملفات وأبحاث متعلقة

.

مقالات متعلقة

تابع وثائق متعلقة

وصلات خارجية

مقالات خارجية

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو