ولد الأستاذ مصطفى مشهور في الخامس عشر من شهر أيلول '''(سبتمبر)''' عام [[1921]]، في قرية السعديين التابعة [[:تصنيف:إخوان الشرقية|لمحافظة الشرقية]] [[مصر|بمصر،]] من [[الأسرة|أسرة]] [[النهضة الإسلامية : أهي ثورة دينية أم سياسية ؟|دينية]] كريمة، معروفة بتدينها، وفضلها، وكرمها، وانتمائها [[الصراع الصهيوني العربي|العربي]] الأصيل، واعتزازها بإسلامها.
دخل الكتاب وهو صغير، ليحفظ ما يمكنه حفظه من [[القرآن فقه حياة|القرآن الكريم]] ، كعادة أهل الريف في [[مصر]] ، وفي سائر البلاد العربية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية في القرية، وأكمل دراسته [[*14 الحلقة الرابعة عشرة : إلى المرحلة الثانوية|الثانوية]] [[:تصنيف:إخوان القاهرة|بالقاهرة]] ، ثم التحق بكلية العلوم التابعة لجامعة فؤاد الأول '''(جامعة [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة]] الآن)''' وتخرج فيها عام [[1942]] حاملاً شهادة البكالوريوس في العلوم، وكان متفوقاً في دراسته، وبسبب تفوقه هذا نال مكافأة من الجامعة.
وبعد تخرجه في كلية العلوم، عمل بوظيفة'''(متنبئ جوي)''' في مصلحة [[أحداث في صور...الأستاذ مصطفى مشهور والأرصاد الجويه|الأرصاد الجوية]].
== في جماعة [[الإخوان المسلمين]] ==
'''نشأ''' الشيخ مصطفى نشأة [[النهضة الإسلامية : أهي ثورة دينية أم سياسية ؟|دينية]] في بيئة تعلي من قدر [[الدين]] والمتدينين، وصاحبه تدينه هذا إلى حيث ذهب ويذهب إلى '''([[:تصنيف:إخوان الشرقية|الزقازيق]])''' وإلى [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة]] ، وسواها، كان يرتاد [[خارت السواعد... فأُحرِقت المساجد|المساجد]] يصلي فيها ويستمع إلى ما يلقى من [[دروس من السيرة.. الابتلاء سنة الحياة|دروس]] ومواعظ وبيده مصحفه، يتلو كل [[تقرير عن يوم أسود|يوم]] ما يشاء الله له من آياته البينات، وذات [[تقرير عن يوم أسود|يوم]] ، وفيما كان يقرأ [[القرآن فقه حياة|القرآن]] في [[المسجد والجماعة في حياة الأخ المسلم|مسجد]] الحي الذي يقيم فيه، تعرف إلى شاب متدين يكبره بفرق سنتين، وكان ذلك الشاب [[الإخوان المسلمين|من الجماعة]] ، ولم يتعب الشاب في إقناع الفتى مصطفى ابن الخمسة عشر خريفاً، بدعوة [[الإخوان]] ، فقد صحبه إلى [[أول شعبة للإخوان بالإسماعيلية (صور)|شعبة]] الحي، ثم إلى [[المركز العام للإخوان المسلمين (صور)|المركز العام]] ليستمع إلى محاضرة لمرشد [[الإخوان]] ، الأستاذ [[حسن البنا]] ، فاستمع الفتى في انبهار إلى المحاضر الذي يقطر الشهد من لسانه العف بتقاطر الكلمات المحملة [[الحكمة|بالحكمة]] والموعظة الحسنة، وهكذا صار الفتى مصطفى عضواً في [[جماعة الإخوان المسلمين]] عام [[1936]] ومنذئذ التحم كيانه كله في جسم [[الاخوان|الجماعة]] ، فما فارقها لحظة واحدة في عسر ولا في يسر، وحيا فيها بجسمه وروحه، عاش سراءها وضراءها، وكانت روحه تحلق في أجوائها وهو يمشي على قدميه في أحياء [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة ]] وأريافها، وفي الصعيد و [[رأي في إصلاح منهج التعليم الديني في المدارس المصرية|المدارس]] يدعو إلى الله، فقد كان [[كتلة الإخوان أربع سنوات من العطاء|كتلة]] من حيوية ونشاط، لفت إليه أنظار القائمين على '''([[النظام الخاص ودوره في مقاومة الاستيطان اليهودي|الجهاز الخاص]])''' فوضعوا عيونهم عليه، وراقبوه واختبروه ثم لم يلبثوا إلا قليلاً ليضموه إليهم، وليكون من أنشط [[يا أعضاء مجمع البحوث الإسلامية: لا يجوز الصمت !!|أعضاء]] الجهاز سرية وانضباطاً، وتنفيذاً لما يطلب منه تنفيذه.
<br>
== [[النظام الخاص ودوره في مقاومة الاستيطان اليهودي|الجهاز الخاص]] ==
وهو الذي يسموه [[النظام الخاص ودوره في مقاومة الاستيطان اليهودي|الجهاز السري]] لما كان يكتنفه من سرية مطلقة أنشأة الأستاذ [[خطاب من المرشد العام|المرشد]] عام [[1940]] من خيرة شباب [[الإخوان]] ديناً، وأخلاقاً وإخلاصاً [[دعوتنا فكرة ومنهج وأصول|لفكرة]] [[الجهاد]]، وكان الهدف من إنشائه، تدريب الشباب تدريباً قتالياً عالياً، من أجل [[تحرير الأوطان.. فريضة شرعية|تحرير]] [[مصر]] من الاستعمار الإنجليزي، و [[تحرير الأوطان.. فريضة شرعية|تحرير]] [[فلسطين]] من [[الإخوان المسلمون والجهاد ضد الإنجليز في القنال 1951م|الإنجليز]] الذي يستعمرونها ويتآمرون مع [[صراعنا مع اليهود|اليهود]] لإنشاء [[وطن منتهى الصلاحية|وطن]] لهم فيها وإقامة دولتهم على أرضها.
وقد خاض رجالها [[شهداء (الإخوان) في معارك القناة 1951م=1954م (1)|معارك]] هائلة في [[مصر]] ضد [[الإخوان المسلمون والجهاد ضد الإنجليز في القنال 1951م|الإنجليز]] في القنال خاصة وحيث وجد [[الإخوان المسلمون والجهاد ضد الإنجليز في القنال 1951م|للإنجليز]] منشآت في بعض مدنها، كما خاضوا [[شهداء (الإخوان) في معارك القناة 1951م=1954م (1)|معارك]] باسلة في [[فلسطين]] ، وأبلوا أحسن البلاء، ولو لا تآمر المتآمرين على [[فلسطين]] وعلى [[كرامات المجاهدين ، تضحد المنافقين ، وتؤرق المحتلين|المجاهدين]] ، لكان لأبناء هذا الجهاز الحيوي دور هائل في إحباط ما يفكر به [[الإخوان المسلمون والجهاد ضد الإنجليز في القنال 1951م|للإنجليز]] و [[صراعنا مع اليهود|اليهود]] وعملائهم ولكن [[المؤامرة على الإخوان |المؤامرة]] كانت لئيمة وخسيسة، وكانت أكبر من أولئك الرجال الذين قدموا أرواحهم ودماءهم [[فلسطين|فداءلفلسطين]] و [[القدس]] و [[الأقصى]] وكانوا ينفقون - أي شباب [[النظام الخاص ودوره في مقاومة الاستيطان اليهودي|النظام الخاص]] - على تنظيمهم [[العمل السري|السري]] هذا من جيوبهم الخاصة، وكان مفتي [[فلسطين]] الحاج [[محمد أمين الحسيني]] [[رئيس بديل لمصر|رئيس]] [[الهيئة القومية والتأمينات الاجتماعية|الهيئة]] [[الحداثة العربية|العربية]] [[محكمة الهزل العليا|العليا]] في [[فلسطين]] ، يقدم لهم بعض المال ليشتروا به السلاح.
وكان الشاب مصطفى مشهور واحداً من رجال ذلك [[النظام الخاص ودوره في مقاومة الاستيطان اليهودي|النظام]] أو [[حقيقة التنظيم الخاص.pdf|التنظيم]] ، يأتمر بأوامر مسؤوليه، ويطيعهم في المنشط والمكره.
== [[حول قضية الإصلاح|قضية]] [[أحداث في صور.. قضية السيارة الجيب|سيارة الجيب]] ==
[[ملف:111-(22).jpg|تصغير|<center>الأستاذ [[مصطفى مشهور]] في صورة لقطت منتصف الثلاثينيات</center>]]
لعل أول [[تأملات التجربة .. (تجربة معتقل سياسي)|تجربة]] قاسية يمر بها الشاب مصطفى ما أطلق عليه '''([[أحداث في صور.. قضية السيارة الجيب|سيارة الجيب]])''' عام [[1948]] تلك التي استغرقت جلساتها تسعاً وثمانين جلسة (من عام [[1948]] – [[1951]]) وتحكي [[وقائع ترصد ملحمة بطولية خاضها ثلاثة مجاهدين من |وقائع]] المحاكمة أن الأستاذ مصطفى مشهور لم يتبرأ مما اتهم به، ولم يطلب [[العفو الرئاسي|العفو]] من المحكمة، بل إنه أبى أن يطعن في إجراءات [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|الاعتقال]] لأنه كان على يقين بأنه محق فيما فعل، وإن اعتقلوه وحاكموه وحكموا عليه [[أدب السجون|بالسجن]] ثلاث [[سنوات]] بسببه.
والطريف في الأمر، أن [[رئيس بديل لمصر|رئيس]] المحكمة المستشار أحمد كامل بك وكيل محكمة استئناف [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة]] ذكر في حيثيات [[الحكم بما أنزل الله|الحكم]] الذي نطقت به المحكمة التي كان يرأسها ما يلي: وحيث إنه سبق للمحكمة أن استظهرت كيفية نشأة [[جماعة الإخوان المسلمين]] ، ومسارعة فريق كبير من [[الشباب الإخواني الأول ونشر الدعوة|الشباب]] إلى الالتحاق بها، والسير على المبادئ التي رسمها منشؤها والتي ترمي إلى تطهير [[رمضان.. وفقه تغيير النفوس|النفوس]] مما علق أو عساه أن يعلق بها من شوائب، وإنشاء جيل [[رتب حياتك من جديد|جديد]] من أفراد مثقفين [[ثقافة المقاومة ودور الأمة|ثقافة]] رياضية عالية، مشربة قلوبهم بحب وطنهم، و [[التضحية علي طريق الدعوة|التضحية]] في سبيله [[بدل ملامة النفس.. أصلح أخطائك|بالنفس]] والمال، وقد كان لا بد لمؤسسي هذه [[الاخوان|الجماعة]] لكي يصلوا إلى أغراضهم أن يعرضوا أمام [[الشباب الإخواني الأول ونشر الدعوة|الشباب]] مثلاً أعلى يحتذونه وقد وجدوا هذا المثل في [[الدين]] [[الفكر الإسلامي|الإسلامي]] وقواعده التي رسمها [[القرآن فقه حياة|القرآن الكريم]] والتي تصلح لكل [[رحم الله تعليم زمان|زمان]] و مكان فأثاروا بهذا المثل العواطف التي كانت قد خبت في [[رمضان والتغيير في النفوس|النفوس]] وقضوا على [[توازن الضعف|الضعف]] والاستكانة والتردد وهي الأمور التي تلازم – عادة – أفراد [[شعب الجبارين|شعب]] محتل مغلوب على أمره، وقام هذا النفر من [[الشباب الإخواني الأول ونشر الدعوة|الشباب]] ، يدعو إلى التمسك [[من قواعد الإصلاح|بقواعد]] [[الدين]] ، والسير على تعاليمه، و [[إحياء السلام المزعوم وشعار الإخوان|إحياء]] [[علم أصول الفقه|أصوله]] سواء أكان ذلك متصلاً [[العبادات تؤدى إلى حسن التعامل|بالعبادات]] و الروحانيات، أم [[أحكام المياة|بأحكام]] [[سيبقى الأقصى ما بقيت الدنيا|الدنيا]].
(ولما وجدوا أن العقبة الوحيدة في سبيل [[إحياء السلام المزعوم وشعار الإخوان|إحياء]] الوعي القومي في هذه [[وحدة الأمة|الأمة]] ، هو جيش [[الإمام البنا ومواجهة الاحتلال الإنجليزى لمصر (1)|الاحتلال]] – [[الإمام حسن البنا والمحتل الإنجليزي والقضية المصرية|الإنجليزي]] – الذي ظل في هذا البلد قرابة سبعين [[12 عاماً مع الأستاذ البنا .... عبدالبديع صقر|عاماً،]] تخللتها طائفة من الوعود بالجلاء .. كما كان بين [[إعتداءات المحتل في 42 سنة على الأقصى|المحتل]] وبين [[فريق السرعة|فريق]] من الوطنيين الذين ولوا أمر هذا [[سورة البلد|البلد]] مباحثات و [[مفاوضات السادات مع حسن البنا|مفاوضات]] على أقرائها الأمور، ليخلص [[من المرشد العام إلى زعماء الوادي وساسته|الوادي]] '''([[مصر]])''' لأهله، ولم تنته [[حول المفاوضات|المفاوضات]] والمجادلات الكلامية إلى نتيجة طيبة، ثم جاءت [[مشكلة حماس|مشكلة]] [[فلسطين]] وما صاحبها من [[ما قبل الإخوان من ظروف ( سياسية - إجتماعية - ثقافية - إقتصادية )|ظروف]] و ملابسات) إلى آخر هذه الحيثيات التي قدمها [[رئيس بديل لمصر|رئيس]] المحكمة قبل النطق بالحكم على الشاب مصطفى مشهور مع 27 عضواً من [[الاخوان|إخوانه]] البررة في حين حكمت عليه المحكمة الثورية [[أدب السجون|بالسجن]] عشر [[سنوات]] مع الأشغال الشاقة، خلال ثلاثة دقائق فقط، يا للعجب والتفاهة!!
ومن الطريف أن نذكر أن [[رئيس بديل لمصر|رئيس]] المحكمة الأستاذ المستشار كان مقدراً لهؤلاء [[الشباب الإخواني الأول ونشر الدعوة|الشباب]] الذين يحاكمهم، وأعجب بجراءتهم وإخلاصهم، وتفانيهم في سبيل [[الاخوان|دعوتهم]] ، الأمر الذي جعله يستقيل من [[القضاء إذا استقل !!|القضاء]] وينضم إلى [[جماعة الإخوان المسلمين]] ويؤلف كتاباً وينشر ويقول: '''(كنت أحاكم.. و أصبحت منهم)''' دعا فيه الشيوخ و [[الشباب الإخواني الأول ونشر الدعوة|الشباب]] إلى الالتحاق بتنظيم [[الإخوان]] الذي أفرز هؤلاء [[عندما يبكي الرجال|الرجال]] الذين أقنعوا قاضيهم بحقهم، وبأصالة ما يدعون إليه.
== [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|الاعتقال]] الثاني ==
كان هذا [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|الاعتقال]] بعد [[حادث المنشية]] المفتعل والمفبرك بين [[جمال عبد الناصر]] وبين [[المخابرات الصهيونية تحذر من استعادة حماس والمقاومة قدراتها العسكرية خلال شهور|المخابرات]] [[الإمبراطورية الأمريكية وبداية النهاية!!|الأمريكية]] وبتدبير منهما.
وبالرغم أن الشاب مصطفى مشهور حينها ([[1954]]) كان موظفاً في ( [[:تصنيف:إخوان مرسي مطروح|مرسى مطروح]]) أي كان بعيداً عن [[الإخوان المسلمون والمسرح الإسلامي|مسرح]] [[حادث المنشية|الحادث]] ، وعن [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة]] ، فقد اعتقلوه من مقر عمله، وساقوه إلى [[عائلات في السجن الحربي|السجن الحربي]] ، سيء الذكر هو ومديره الهالك حمزة البسيوني وضباطه وجلادوه وجلاوزته، وتعرض الشاب مصطفى لأقسى [[الإمام البنا يكتب: |أنواع]] [[هل كان التعذيب في السجون بعلم عبد الناصر؟|التعذيب]] وهو صابر محتسب، لا يسمع الجلادون منه سوى [[مفهوم كلمة الإسلام|كلمة]] [[علم التوحيد|التوحيد]] '''(لا إله إلا الله)''' ثم عرض على محكمة [[من مواقف الإخـوان في دعـم الثورة|الثورة]] ، لتحكم عليه [[أدب السجون|بالسجن]] عشر [[سنوات]] مع الأشغال الشاقة، وقد استغرقت هذه المحاكمة المهزلة ثلاث دقائق، كما تقدم.
ثم نقل إلى [[أدب السجون|سجن]] '''([[تفاصيل مذبحة الاخوان المسلمين في ليمان طره 1/6/1957|ليمان طره]])''' ليلقى و [[الاخوان|إخوانه]] الآلام من مدير [[أدب السجون|السجن]] وجلاديه، ثم نقل إلى [[رسالة إلى معتقل|معتقل]] '''([[أحداث في صور..سجن الواحات|الواحات]] [[العلاقات الخارجية والشئون الدولية|الخارجية]])''' وهو عبارة عن خيام مفتوحة في الليل والنهار وفي الصيف والشتاء القارس، ومحاطة بالحراس الغلاظ، وبالأسلاك الشائكة.
أمضى الشيخ مصطفى مدة [[أدب السجون|السجن]] وخرج من [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|المعتقل]] في تشرين الثاني ([[1964]]م).
== [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|الاعتقال]] الثالث ==
وفي تموز [[1965]] فوجئ [[موقف الناس من دعوة الإخوان|الناس]] بقرار [[في الميدان من جديد – الامام حسن البنا|جديد]] من [[جمال عبد الناصر]] يقضي بإعادة [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|اعتقال]] كل من كان [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|معتقلاً]] سابقاً وأفرج عنه، وجاءت عناصر [[المخابرات الصهيونية تحذر من استعادة حماس والمقاومة قدراتها العسكرية خلال شهور|المخابرات]] لتعتقل مصطفى مشهور ولم يمض على [[وعشت معهم فرحة الإفراج عنهم..!!|الإفراج]] سوى بضعة أشهر.
وكان نصيب الرجل من [[هل كان التعذيب في السجون بعلم عبد الناصر؟|التعذيب]] شديداً وهو صابر محتسب، ويدعو [[الاخوان|إخوانه]] إلى [[الصبر نعمة كبرى|الصبر]] و [[الثبات على المبدأ|الثبات]] على هذه [[جيهان الحلفاوي ونصائح للأخوات في حال المحنة|المحنة]] التي جاءتهم من موسكو، حيث كان [[جمال عبد الناصر|عبد الناصر]] يزور قبر لينين، ويعلن عن كشف [[مؤامرة اغتيال عرفات|مؤامرة]] لقلب [[نظام الحكم في الإسلام|نظام حكمه]] بقيادة [[سيد قطب]] .. وبقي في [[أدب السجون|السجن]] حتى هلك [[جمال عبد الناصر|عبد الناصر]] ، وجاء [[محمد أنور السادات|السادات]] وأمر [[وعشت معهم فرحة الإفراج عنهم..!!|بالإفراج]] عن [[الإخوان]] [[ابتسامة المعتقلين|المعتقلين]] من أوائل السبعينات ([[1971]]) .. وهكذا أمضى الشاب الكهل الشيخ مصطفى مشهور ست عشرة سنة في معتقلات الطواغيت.
== استئناف [[العمل السري|العمل]] ==
ما كاد الشيخ مصطفى يخرج من [[أدب السجون|السجن]] ، حتى بادر إلى الاتصال [[الإخوان|بالجماعة]] ، ليعيد [[حقيقة قضية التنظيم الدولي!|التنظيم]] إلى سابق عهده [[الحياة|بالحياة]] والحيوية والنشاط، غير عابئ بما قد يصيبه في سبيل [[الاخوان|الدعوة]] التي سكنت قلبه وعقله.
وعندما بويع الأستاذ [[عمر التلمساني]] رحمه الله تعالى مرشداً ثالثاً [[الاخوان|للجماعة]] ، كان الشيخ مصطفى من أقوى أعوانه، وكان يعمل مع لفيف من [[الإخوان]] الكرام لتأسيس [[حقيقة قضية التنظيم الدولي!|التنظيم]] وتثبيت [[عمر التلمساني.. المربي بين أركان بيعة|أركانه]] عبر [[حظر ترخيص مؤسسات تعليمية للحركة الإسلامية في الـ 48|مؤسسات]] تصمد في وجه الأعاصير.
وقد التقيته أول مرة في شباط ([[1977]]) في مجلة الدعوة، مع الأستاذ [[إستقالة المرشد|المرشد]] والأستاذ الشهيد [[كمال السنانيري]] رحمه الله رحمة واسعة، وقد لاحظت حضور الأستاذ مصطفى في مناقشة الأمر الذي سافرت إلى [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة ]] من أجله، وعندما شكوت الدكتور الملط – رحمه الله – دافع الشيخ مصطفى عن تصرفه، وقال لي: سامحونا إذا وجدتم منا مالا يرضيكم، فظروفنا قاسية، وأمن الأستاذ [[إستقالة المرشد|المرشد]] على كلامه، وقال الأستاذ السنانيري: هل ترضى أن أكون أنا العبد الفقير وسيطاً بينكم وبين فضيلة الأستاذ [[إستقالة المرشد|المرشد]] ؟
وبعد الانتهاء مما نحن فيه، استأذنت بالانصراف، فهب الشيخ مصطفى نحوي، واعتذر لي وهو الكبير وأنا التلميذ الصغير في هذه المدرسة [[الربانية زادنا وسبيلنا|الربانية]] ، وعانقني وقال: ادعوا لنا أيها [[الإخوان]] السوريون فأنتم مظلومون، ودعواتكم مجابة إن شاء الله تعالى.
== سائح في سبيل [[الاخوان|الدعوة]] ==
{{مصطفى مشهور}}
{{مصطفى مشهور}}
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
غادر الشيخ مصطفى مشهور [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة ]] إلى [[أسبوع الإخوان في الكويت|الكويت]] في أيلول ([[1981]])، وبعد مقتل السادات، التقيته مع بعض [[مكتب الإرشاد|أعضاء مكتب الإرشاد]] ، وسمعته يقول: (ليس لنا أي دور في مقتل [[محمد أنور السادات|السادات]] ، فنحن كما قال [[إستقالة المرشد|المرشد]] الثاني رحمه الله: دعاة لا قضاه، ونحن لم نستعمل [[القوة الذاتية|القوة]] و [[لن ينزلق الإخوان إلى العنف ... لماذا؟|العنف]] في حياتنا، وسبيلنا إلى [[موقف الناس من دعوة الإخوان|الناس]] دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومع ذلك، اعتقلوا منا بضعة آلاف، ونريد رأيك في التصرف المناسب بناء على تجربتك في سورية).
قلت للأستاذ الفاضل ولمن معه من أساتذتي في [[مكتب الإرشاد]]: (اصبروا وصابروا، ولا تتورطوا في [[الصراع السياسي والإعلامي والأمني|الصراع]] مع النظام، مهما كانت [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|الاعتقالات]] والمضايقات، وسوف يعرف [[هل يستفيد النظام المصري من الإخوان ؟|النظام المصري]] أنكم برءاء من دم [[محمد أنور السادات|السادات]] ، وسوف يخرج شبابكم من [[اعتقال هنا ...وهروب هناك|المعتقلات]] بإذن الله ويستأنفون [[العمل السري|العمل]] وبقوة و [[الإخلاص فى حياة الدعاة|إخلاص]] إن شاء الله).
وبعد حوار ونقاش استقر [[رسالة إلى أحرار الرأي|الرأي]] على التهدئة و الابتعاد عن سائر [[أساليب الدعوة إلى الله|أساليب]] الاستفزاز والتصعيد، وكذلك كان.
ثم سافر الأستاذ إلى ألمانيا، واستقر فيها خمس [[سنوات]] كانت عملاً دائباً في [[التخطيط]] [[الاخوان|للجماعة]] بروح متفائلة، وعقل متفتح ونشاط يشد به الهدوء.
وقد التقيته في مدينة فرانكفورت عام ([[1986]])، وكان مع بعض [[مكتب الإرشاد|أعضاء مكتب الإرشاد]] ، وشرحت لهم ما سمي حينها [[المسألة السنية الشيعية|بالمسألة]] السورية، وفيما كنت أشرح لهم ما كلفت بشرحه، قاطعني أحد [[مكتب الإرشاد|أعضاء مكتب الإرشاد]] بحدة وفاجأني فأسكتني، ولكن أخاً كريماً انبرى لذلك العضو وكان مما قاله له: '''(لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)'''، و [[واجبات الأخ المسلم|الأخ]] عبد الله يشرح بأدب إخواني، ولا يجوز لك مقاطعته، وقال بحنان: '''(تكلم يا أخي، قل كل ما في نفسك، ونحن مصغون لك)'''.
'''قلت بحزن:''' لو كنت أعلم أن حضوري وحديثي يزعجان أحداً منكم ما حضرت ولا تحدثت، ولكن الأمر خطير، ونحن مقدمون على انشقاق لا سمح الله، ولذلك حضرت .
'''قال الشيخ مصطفى:''' تفضل نحن نستمع إليك.
'''قلت:''' الآن مستحيل، فقد فوجئت وذهلت من [[موقف الناس من دعوة الإخوان|موقف]] [[رجل فاسد|رجل]] كنت و [[الاخوان|إخواني]] نقرأ كتبه، ونستفيد منه.
ثم استأذنت ونهضت، فنهض معي الأستاذ الكبير مشهور وجاءوا لاسترضائي وأن أبقى معهم في الشقة. فاعتذرت وخرجت، ثم كان [[لقاء مع شهيد|لقاء]] [[اليوم الإنساني العالمي|اليوم]] التالي مع الشيخ مصطفى الذي استقبلني بهدوء وحنان وعانقني واعتذر مما حصل في [[اليوم الإنساني العالمي|اليوم]] السابق.
لقد بدا لي الشيخ مصطفى ذا رأي حصيف وحازم، ليستمع ويستمع ويستمع ولا يقاطع، ويتكلم بهدوء، وبلسان عفيف، يشاور ويحاور وينصت، ويجادل بالحسنى ومن الصعوبة بمكان أن يتنازل عن رأيه بسهولة.
وفي ألمانيا استطاع و [[الاخوان|إخوانه]] أن يرسوا دعائم [[لقطات.. حول التنظيم الدولي للإخوان|التنظيم الدولي]] '''([[لقطات.. حول التنظيم الدولي للإخوان|التنظيم العالمي]] لجماعة [[الإخوان المسلمين]] فيما بعد)''' .. كان [[حركة المقاومة الإسلامية|حركة]] دائبة، حتى يحس به من يراه أنه [[إستقالة المرشد|المرشد]] ، وأنه هو صاحب [[الكلمة الطيبة|الكلمة]] الفصل في الشئون [[الاستراتيجية]].
== العودة إلى [[الوطن]] ==
وبعد وفاة [[إستقالة المرشد|المرشد]] الأستاذ [[عمر التلمسانى|التلمساني]] – رحمه الله تعالى – وبتسوية ما مع المسؤولين في [[مصر]] ، قادها الأستاذ الكبير [[صلاح شادي]] ، تغمده الله بفيض رحماته ورضوانه، عاد الشيخ مصطفى إلى [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة]] عام ([[1986]])، وتسلم منصب نائب [[المرشد العام]] (كان المرشد الأستاذ [[محمد حامد أبو النصر]] – رحمه الله تعالى – وكان الساعد الأيمن والأيسر في [[أمة فى ميدان الجهاد|ميدان]] [[الاخوان|الدعوة]] ، ومعه ثلة طيبة من [[الاخوان|إخوانه]] [[مكتب الإرشاد|أعضاء مكتب الإرشاد،]] بل إن بعض المراقبين والمطلعين يعتقدون أنه كان القائد الفعلي [[الاخوان|للجماعة]] منذ رحيل [[إستقالة المرشد|المرشد]] [[حسن الهضيبي]] رحمه الله رحمة واسعة عام ([[1973]]) وحتى وفاته أي طوال ثلاثة عقود.
وفي الأيام الأخيرة من حياة [[إستقالة المرشد|المرشد]] الأستاذ [[محمد حامد أبو النصر|أبي النصر]] الذي كان يرقد على فراش المرض الشديد عرف [[الإخوان]] أن مرشدهم يرحل عن هذه [[الحياة]] الفانية، فاستبقوا [[صناعة الموت|الموت]] ، وانتخبوا الشيخ مصطفى مشهور مرشداً [[الاخوان|للجماعة]] ، حال وفاة [[إستقالة المرشد|المرشد]] [[محمد حامد أبو النصر|أبي النصر]] ، وتكتموا على هذا الأمر، إلى ما بعد وفاة [[إستقالة المرشد|المرشد]] ودفنه في شباط فبراير [[1996]]، عندها أعلن المستشار [[محمد المأمون الهضيبي]] نبأ انتخاب الأستاذ مشهور ليكون خير خلف لخير سلف، فتقدم [[واجبات الأخ المسلم|الأخ]] الأستاذ لا شين أبو شنب وبايع [[إستقالة المرشد|المرشد]] الجديد، وطلب من [[الإخوان]] أن يتقدموا ويبايعوه، فتقدم عدد كبير من [[الإخوان]] وبايعوا الأستاذ مصطفى مشهور مرشداً [[الاخوان|للجماعة]] لمدة ست [[سنوات]] ، ثم جدد انتخابه مرة ثانية في شباط [[2002]] لمدة ست [[سنوات]] أخرى، حسب أنظمة [[الاخوان|الجماعة]] .
كان الشيخ مصطفى يحمل أعباء [[إستقالة المرشد|المرشد]] و[[مكتب الإرشاد]] قبل أن يصبح هو [[إستقالة المرشد|المرشد]] ، فقد كان [[إستقالة المرشد|المرشد]] الفعلي أيام سلفيه الشيخ [[محمد حامد أبو النصر|أبي النصر]] والشيخ [[عمر التلمساني]]، وكان يتحمل المسؤولية كاملة عن تلك الفترة، وخاصة بعد أن غادر [[مصر]] إلى [[أسبوع الإخوان في الكويت|الكويت]] فألمانيا، ثم بعد تسوية وضعه، وعودته إلى بلاده.
وعندما تسلم منصب [[مكتب الإرشاد|الإرشاد]] ، تابع مخططه الذي رسمه [[الاخوان|للجماعة]] مع أعضاء [[مكتب الإرشاد]]، وعمل بجد واجتهاد لتنفيذه، وقد لجأ إلى التحالفات [[التربية السياسية عند الإمام حسن البنا|السياسية]] مع بعض [[الأحزاب السياسية في مصر|الأحزاب]] وخاضت [[الاخوان|الجماعة]] [[لماذا خاض الإخوان الانتخابات....أ. محمد مهدي عاكف|الانتخابات]] [[الكتلة البرلمانية للإخوان في الدورة الثالثة|البرلمانية]] والنقابية، وحققت نجاحات رائعة.
لقد اتسم عهده بالعقلانية المفرطة في ابتعاده عن أي صدام مع [[العلاقة بين الإخوان وأمن الدولة|الدولة،]] مهما بلغت تجاوزات [[الرد على بيان الحكومة|الحكومة]] والأجهزة الأمنية، وعده بعض المفكرين [[الإمام البنا في عيون السياسيين|السياسيين]] والإعلاميين كالدكتور عبد الوهاب الأفندي، أفضل عهود [[الاخوان|الحركة،]] فلم تعد [[الإخوان]] حركة هامشية على الساحة [[التربية السياسية عند الإمام حسن البنا|السياسية]] ، ولم تدخل في [[أمتنا في مواجهة التحديات|مواجهة]] [[الإخوان دعوة شاملة وجماعة عاملة|شاملة]] مع [[العلاقة بين الإخوان وأمن الدولة|الدولة]] ، ولم تتعرض قياداتها للقتل و [[أحداث في صور...الشهيد سيد قطب ليلة الإعدام|الإعدام]] والتشريد و [[أدب السجون|السجن]] ، فقد كان دائماً يرفض الاستدراج إلى [[استراتيجيات المواجهة|المواجهة]] الشاملة.
إنه [[تأملات التجربة .. (تجربة معتقل سياسي)|سياسي]] محنك، و [[زينب الغزالي.. داعية تحرير المرأة|داعية]] حكيم يضبط نفسه و [[أزمة نفوس وأرواح|نفوس]] [[الاخوان|إخوانه،]] مع أنه كان في خط [[استراتيجيات المواجهة|المواجهةالأول،]] منافحاً عن مبادئه و [[الاخوان|جماعته]] باليد واللسان و[[سورة القلم|القلم]] .
لم تشغله [[التربية السياسية عند الإمام حسن البنا|السياسية]] عن [[الدعوة إلى الله|الدعوة]] و [[مفهوم التربية عند الإخوان المسلمين|التربية]] ، كما لم تبعده [[الدعوة إلى الله|الدعوة]] و [[مفهوم التربية عند الإخوان المسلمين|التربية]] عن [[العمل السياسي الإسلامي|العمل السياسي]] ، فقد كان يكتب في هذه المجالات كلها، ويصول ويجول في ميادينها بحنكة تدل على تجاربه العميقة في هذه المجالات التي كان يوازن بينها، بحيث لا تغطي إحداها على الأخريات، وإن كان [[قواعد النجاح في العمل|العمل]] [[التغيير التربوي|التربوي]] هو المقدم عنده، لأنه أمضى [[سنوات]] مديدة مع طلبة [[شهداء الجامعات الفلسطينية|الجامعات]] ، يربيهم ويغرس غراس [[الإيمان]] و[[التضحية علي طريق الدعوة|التضحية]] والبذل في نفوسهم، ليكونوا مؤهلين لتسلم [[قواعد النجاح في العمل|العمل]] [[الشيخ المناسب للزمن المناسب !!|المناسب]] لكل منهم، وليكونوا [[أحداث في صور...اجتماع قادة الإخوان وقادة ثورة يوليو|قادة]] [[صناعة المستقبل|المستقبل]] وحملة الراية من بعد.
كان يعتبر تغليب [[العمل السياسي الإسلامي|العمل السياسي]] على [[العمل السياسي الإسلامي|العمل]] [[الفتور الدعوي عند الشباب.. الأسباب والحلول|الدعوي]] و [[التغيير التربوي|التربوي]] انحرافاً عن مسار [[الاخوان|الجماعة]] نحو أهدافها وغاياتها، مع أن [[العمل السياسي الإسلامي|العمل]] الدؤوب لإقامة [[العلاقة بين الإخوان وأمن الدولة|الدولة]] التي [[الحكم بما أنزل الله|تحكم بما أنزل الله]] ، لم يغب عن باله قط.
ويرى الدكتور الأفندي أن [[الاخوان|الجماعة]] في عهده صارت [[المعارضة والإخوان والمستقلون: التعديلات الدستورية «جريمة»|المعارضة]] الأولى في [[الإخوان و دخول البرلمان|البرلمان]] [[هل يستفيد النظام المصري من الإخوان ؟|المصري]] ، وقد حققت صموداً عجيباً، بل حققت معجزة [[شلال الدم يحفر خندق الانتصار!|الانتصار]] على [[محاولات فاشلة للوصول إليه|محاولات]] الإفناء والتغييب، ولم تكتف الحركة بالمحافظة على بقائها في [[ما قبل الإخوان من ظروف ( سياسية - إجتماعية - ثقافية - إقتصادية )|ظروف]] صعبة تمثلت في عداء نشط من قبل الأجهزة و [[هل الدولة مزدوجة الشخصية؟!|الدولة]] ، ومن [[الحال العام و المناخ قبل نشأة الإخوان في مصر|المناخ]] العالمي، بل تفوقت كذلك على كل منافسيها، بحيث أصبحت [[منهاج الحركة الدعوية لدى الأستاذ البنا|الحركة]] [[التربية السياسية عند الإمام حسن البنا|السياسية]] الأولى في البلاد.
والذي يقرأ كتاباته في كتبه وفي [[الإخوان المسلمون وكلام الصحافة|الصحافة]] ، يعرف أي جراءة في [[صوت الحق|الحق]] كانت تعتمل في نفس [[حسن البنا.. الرجل والمنهج|الرجل]] ، فتتفجر على سنان قلمه، فيكتب ما يكتب في نصاعة بيان، ووضح ، بلا جلجلة ولا غموض.
والذي يطالع رسالته التي بعث بها إلى [[الرئيس الأمريكي في حربه على العراق يهدر كافة القيم والمُثل|الرئيس الأمريكي]] [[مع رحيل بوش تتبخر الأوهام الأمريكية|بوش]] الابن، بعيد انتخابه، يعرف أي [[حسان حتحوت .. أمة فى رجل|رجل]] هذا الشيخ رأيته آخر مرة عام [[1988]] وهو يمشي على قدميه فوق أحد الكباري الضخمة في [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة]] ، وكان غاصاً بالسيارات وبشمس [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة]] المحرقة، إنه [[نزار ريان ... قائد.. برتبة جندي!|قائد]] ولديه الكثير من [[مقومات البناء التنظيمي|مقومات]] [[معيار القيادة الإسلامية|القيادة]] الرصينة الزاهدة معاً.
'''[[صوت الحق|الحق]] يقال:''' إن الشيخ مصطفى مشهور صاحب [[مدرسة رمضان وإصلاح العالم|مدرسة]] فكرية و [[مصطلحات سياسية|سياسية]] و [[دعوة واحدة أمة واحدة|دعوة]] تحتاج إلى [[دراسة لخطوط البرنامج الإجتماعي|دراسة]] دقيقة لاستخلاص أطرها وعناصرها ومقوماتها وما فيها من [[دروس من حديث الثلاثاء|دروس]] وعبر، وهذا ما سوف أنهض به إن شاء الله تعالى إن فسح الله في [[وداعا صديق العمر ورفيق الدرب عبد العظيم الديب|العمر]] ووهب [[الصحة]] والفراغ، ولكنني أدعو [[الاخوان|إخوانه]] وأولاده وتلاميذه الأقربين، و[[بيان من طلاب الإخوان المسلمين الإصلاح حول أحداث غزة|طلاب]] [[من قضايا الدراسات العربية الإسلامية في الغرب|الدراسات]] [[محكمة الهزل العليا|العليا،]] أن يسعوا إلى جمع آثاره، فمقالاته منثورة في عدد من الصحف والمجلات التي قد لا تصل إليها أيدينا هنا خارج [[مصر]] .. هذه [[أمانة الكلمة والإعلام|أمانة]] نضعها في أعناق محبيه ومحبي دعوته و[[الاخوان|أبناء جماعته]].
دخلت عليه ابنته في غرفته قبيل [[سورة العصر|العصر]] فرأته مرتمياً على [[ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها|الأرض]] في غيبوبة ما لبث أن أفاق منها، وقام ليتوضأ، رجته ابنته أن يشفق على نفسه ويصلي [[سورة العصر|العصر]] في البيت، فأبى وخرج إلى [[المسجد والجماعة في حياة المسلم|المسجد]] ، وبعد [[أول صلاة عيد في الخلاء في القرن العشرين|صلاة]] [[سورة العصر|العصر]] أصيب بجلطة دماغية ألقته أرضاً، ليدخل في غيبوبة استمرت سبعة عشر يوماً، منذ التاسع والعشرين من تشرين الأول، وحتى وفاته في [[أسئلة الساعة|الساعة]] السادسة مساء الخميس التاسع من رمضان المبارك 1423هـ الرابع عشر من تشرين الثاني[[2002]]م.
شيع جثمانه الطاهر عقب [[أول صلاة عيد في الخلاء في القرن العشرين|صلاة]] [[سورة الجمعة|الجمعة]] (15/11/[[2002]]) من [[أول مسجد للإخوان المسلمين (صور)|مسجد]] السيدة رابعة العدوية بمدينة نصر في [[:تصنيف:إخوان القاهرة|القاهرة]] .
صلت عليه جموع غفيرة، أمهم المستشار الشيخ [[محمد المأمون الهضيبي]] ، ثم حمل جثمانه في صندوق خشبي متواضع وضع في سيارة ميكرو باص، وسار خلفه المشيعون، وكانوا مئات الآلا ف وصل [[تقرير عن يوم أسود|تقرير]] بعضهم إلى نصف مليون، '''وقال آخرون:''' كانوا مليوناً يسيرون في [[موكب الأنبياء والرسل وقضية الصراع بين الحق والباطل|موكب]] مهيب، يبكون في صمت وحزن وخشوع.
وشارك في التشييع عدد من رؤساء [[الأحزاب السياسية في مصر|الأحزاب المصرية،]] و[[وقفة احتجاجية لأساتذة جامعة القاهرة رفضًا لأحكام العسكرية|أساتذة الجامعات]] ، و[[بيان العلماء على مجزرة الحرية|العلماء]] ، والشخصيات الاعتبارية، وأعضاء [[مكتب الإرشاد]]، ونواب [[الإخوان]] في [[الإخوان و دخول البرلمان|البرلمان]] ، وكان حضور الصحافة العالمية كبيراً.
وكان [[الفهمَ الفهمَ يا شباب الصحوة|شباب]] [[الإخوان]] يرفعون المصاحف إلى الأعلى من حين خروج الجنازة من [[المسجد والجماعة في حياة المسلم|المسجد]] إلى أن ووري في مثواه الأخير، وفي مقابر '''([[الوفاء]] و[[الأمل والتفاؤل|الأمل]])''' التي تضم جثماني [[مائة موقف من حياة المرشدين لجماعة الإخوان المسلمين.... محمد عبدالحليم حامد|المرشدين]] السابقين [[عمر التلمسانى|التلمساني]] و[[محمد حامد أبو النصر|أبي النصر]] ، رحمهم الله رحمة واسعة، وقد استغرقت الجنازة مدة ساعتين من [[المسجد والجماعة في حياة المسلم|المسجد]] حتى القبر.
وألقى المستشار [[محمد المأمون الهضيبي|الهضيبي]] [[كلمة المستشار الهضيبي في حفل إفطار جماعة الإخوان السنوي|كلمة]] وداع و[[الوفاء|وفاء]] على قبر الفقيد الغالي.
وفي المساء تقبل [[الإخوان]] العزاء الذي حضره عشرات الآلاف، تحدث الأستاذ [[محمد المأمون الهضيبي|مأمون الهضيبي]] عن مسيرة المرشد الفقيد في ميادين للعمل [[الفتور الدعوي عند الشباب.. الأسباب والحلول|الدعوي]] طوال خمسة وستين عاماً، تحدث عن نضاله وعن فترات [[أدب السجون|السجن]] الطويلة، وما لقي فيها من [[من ألوان رمضان|ألوان]] العذاب، كما تحدث عن جهوده في إعادة [[الاخوان|الجماعة]] إلى [[الحياة]] المصرية، وتعاونه مع الأستاذ [[عمر التلمساني]] في سبيل ذلك.
حضرت العزاء شخصيات سياسية وفكرية مرموقة ومعروفة، مصرية وعربية، وكان الحضور (الناصري) كثيفاً ولافتاً للأنظار، ونعى رئيس الحزب الناصري الأستاذ (حامد محمود)، المرشد الفقيد بقوله: (رحم الله مرشدنا) وأضاف: (يدرك الحزب الناصري أهمية حركة [[الإخوان المسلمين]] في العمل الوطني، وإذا كان الشيخ [[مصطفى مشهور]] قد فارقنا، فإن [[الاخوان|إخوانه]] يحملون الراية).
== أصداء وفاته ==
نعت الصحف المصرية والأردنية والفلسطينية واللبنانية واليمنية والسودانية وسواها، وكثير من [[الأحزاب السياسية في مصر|الأحزاب]] والهيئات الفكرية و[[ما قبل |الاجتماعية،]] المرشد الفقيد، ورثاه العالم الجليل الشيخ [[حامد البيتاوي]] ، خطيب [[المسجد الأقصى]] ، ورئيس رابطة علماء [[فلسطين]] ، وكان مما قاله:
(ها هي [[مصر]] ، أرض الكنانة، بل [[الأمة الإسلامية في مواجهة الاستعمار والفساد|الأمة الإسلامية]] ، فقدت علماً من أعلام المسلمين في هذه العصر، فقدت قائداً من [[أحداث في صور...اجتماع قادة الإخوان وقادة ثورة يوليو|قادة]] [[الفكر الإسلامي|الفكر]] و[[رجال الدعوة جنود فكرة وعقيدة|الدعوة]] و[[السياسة والدين|السياسة]].. إنه [[حسان حتحوت .. أمة فى رجل|رجل]] حمل [[هموم الأمة وعلاقات الشعوب|هموم]] المسلمين و [[راية الحق مسئولية كل الأمة|راية]] [[الدعوة الإسلامية]] ، منذ أكثر من ستين عاماً، وتربت على يديه، ومن خلال كتاباته في [[فقه الدعوةعند العلامة |فقه الدعوة]] ، أجيال من [[الدعاة والسياسة|الدعاة]] ، وهو خير من كتب في هذا الموضوع الذي تلقاه يافعاً، ومارسه شاباً، وعاشه واقعاً مع [[البنا|الإمام]] المؤسس: [[حسن البنا]] فترة من الزمان تقرب من عشر [[سنوات]] قبل أن يلقى [[البنا]] ربه شهيداً، فأفاد من ذلك كثيراً .. لقد عاش – مشهور – المسيرة الإسلامية فيما تعرضت له من ابتلاء وتمحيص صبر وثبت، وواصل السير على [[التضحية علي طريق الدعوة|طريق الدعوة]] دون انحراف أو تبديل إلى أن لقي الله عز وجل في هذه [[وتلك الأيام نداولها|الأيام]] المباركة، مرشداً لهذه [[الاخوان|الدعوة]]).
'''رحم الله فقيدنا الغالي، وأسكنه فصيح جناته، مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.'''
ولد الأستاذ مصطفى مشهور في الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) عام 1921، في قرية السعديين التابعة لمحافظة الشرقيةبمصر، من أسرةدينية كريمة، معروفة بتدينها، وفضلها، وكرمها، وانتمائها العربي الأصيل، واعتزازها بإسلامها.
دخل الكتاب وهو صغير، ليحفظ ما يمكنه حفظه من القرآن الكريم ، كعادة أهل الريف في مصر ، وفي سائر البلاد العربية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية في القرية، وأكمل دراسته الثانويةبالقاهرة ، ثم التحق بكلية العلوم التابعة لجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) وتخرج فيها عام 1942 حاملاً شهادة البكالوريوس في العلوم، وكان متفوقاً في دراسته، وبسبب تفوقه هذا نال مكافأة من الجامعة.
وبعد تخرجه في كلية العلوم، عمل بوظيفة(متنبئ جوي) في مصلحة الأرصاد الجوية.
نشأ الشيخ مصطفى نشأة دينية في بيئة تعلي من قدر الدين والمتدينين، وصاحبه تدينه هذا إلى حيث ذهب ويذهب إلى (الزقازيق) وإلى القاهرة ، وسواها، كان يرتاد المساجد يصلي فيها ويستمع إلى ما يلقى من دروس ومواعظ وبيده مصحفه، يتلو كل يوم ما يشاء الله له من آياته البينات، وذات يوم .
وفيما كان يقرأ القرآن في مسجد الحي الذي يقيم فيه، تعرف إلى شاب متدين يكبره بفرق سنتين، وكان ذلك الشاب من الجماعة ، ولم يتعب الشاب في إقناع الفتى مصطفى ابن الخمسة عشر خريفاً، بدعوة الإخوان ، فقد صحبه إلى شعبة الحي، ثم إلى المركز العام ليستمع إلى محاضرة لمرشد الإخوان ، الأستاذ حسن البنا.
فاستمع الفتى في انبهار إلى المحاضر الذي يقطر الشهد من لسانه العف بتقاطر الكلمات المحملة بالحكمة والموعظة الحسنة، وهكذا صار الفتى مصطفى عضواً في جماعة الإخوان المسلمين عام 1936 ومنذئذ التحم كيانه كله في جسم الجماعة ، فما فارقها لحظة واحدة في عسر ولا في يسر، وحيا فيها بجسمه وروحه، عاش سراءها وضراءها، وكانت روحه تحلق في أجوائها وهو يمشي على قدميه في أحياء القاهرة وأريافها، وفي الصعيد و المدارس يدعو إلى الله، فقد كان كتلة من حيوية ونشاط، لفت إليه أنظار القائمين على (الجهاز الخاص) فوضعوا عيونهم عليه، وراقبوه واختبروه ثم لم يلبثوا إلا قليلاً ليضموه إليهم، وليكون من أنشط أعضاء الجهاز سرية وانضباطاً، وتنفيذاً لما يطلب منه تنفيذه.
وهو الذي يسموه الجهاز السري لما كان يكتنفه من سرية مطلقة أنشأة الأستاذ المرشد عام 1940 من خيرة شباب الإخوان ديناً، وأخلاقاً وإخلاصاً لفكرةالجهاد، وكان الهدف من إنشائه، تدريب الشباب تدريباً قتالياً عالياً، من أجل تحريرمصر من الاستعمار الإنجليزي، و تحريرفلسطين من الإنجليز الذي يستعمرونها ويتآمرون مع اليهود لإنشاء وطن لهم فيها وإقامة دولتهم على أرضها.
لعل أول تجربة قاسية يمر بها الشاب مصطفى ما أطلق عليه (سيارة الجيب) عام 1948 تلك التي استغرقت جلساتها تسعاً وثمانين جلسة (من عام 1948 – 1951) وتحكي وقائع المحاكمة أن الأستاذ مصطفى مشهور لم يتبرأ مما اتهم به، ولم يطلب العفو من المحكمة، بل إنه أبى أن يطعن في إجراءات الاعتقال لأنه كان على يقين بأنه محق فيما فعل، وإن اعتقلوه وحاكموه وحكموا عليه بالسجن ثلاث سنوات بسببه.
والطريف في الأمر، أن رئيس المحكمة المستشار أحمد كامل بك وكيل محكمة استئناف القاهرة ذكر في حيثيات الحكم الذي نطقت به المحكمة التي كان يرأسها ما يلي: وحيث إنه سبق للمحكمة أن استظهرت كيفية نشأة جماعة الإخوان المسلمين ، ومسارعة فريق كبير من الشباب إلى الالتحاق بها، والسير على المبادئ التي رسمها منشؤها والتي ترمي إلى تطهير النفوس مما علق أو عساه أن يعلق بها من شوائب، وإنشاء جيل جديد من أفراد مثقفين ثقافة رياضية عالية، مشربة قلوبهم بحب وطنهم، و التضحية في سبيله بالنفس والمال، وقد كان لا بد لمؤسسي هذه الجماعة لكي يصلوا إلى أغراضهم أن يعرضوا أمام الشباب مثلاً أعلى يحتذونه وقد وجدوا هذا المثل في الدينالإسلامي وقواعده التي رسمها القرآن الكريم والتي تصلح لكل زمان و مكان فأثاروا بهذا المثل العواطف التي كانت قد خبت في النفوس وقضوا على الضعف والاستكانة والتردد وهي الأمور التي تلازم – عادة – أفراد شعب محتل مغلوب على أمره، وقام هذا النفر من الشباب ، يدعو إلى التمسك بقواعدالدين ، والسير على تعاليمه، و إحياءأصوله سواء أكان ذلك متصلاً بالعبادات و الروحانيات، أم بأحكامالدنيا.
(ولما وجدوا أن العقبة الوحيدة في سبيل إحياء الوعي القومي في هذه الأمة ، هو جيش الاحتلال – الإنجليزي – الذي ظل في هذا البلد قرابة سبعين عاماً، تخللتها طائفة من الوعود بالجلاء .. كما كان بين المحتل وبين فريق من الوطنيين الذين ولوا أمر هذا البلد مباحثات و مفاوضات على أقرائها الأمور، ليخلص الوادي(مصر) لأهله، ولم تنته المفاوضات والمجادلات الكلامية إلى نتيجة طيبة، ثم جاءت مشكلةفلسطين وما صاحبها من ظروف و ملابسات) إلى آخر هذه الحيثيات التي قدمها رئيس المحكمة قبل النطق بالحكم على الشاب مصطفى مشهور مع 27 عضواً من إخوانه البررة في حين حكمت عليه المحكمة الثورية بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة، خلال ثلاثة دقائق فقط، يا للعجب والتفاهة!!
ومن الطريف أن نذكر أن رئيس المحكمة الأستاذ المستشار كان مقدراً لهؤلاء الشباب الذين يحاكمهم، وأعجب بجراءتهم وإخلاصهم، وتفانيهم في سبيل دعوتهم ، الأمر الذي جعله يستقيل من القضاء وينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ويؤلف كتاباً وينشر ويقول: (كنت أحاكم.. و أصبحت منهم) دعا فيه الشيوخ و الشباب إلى الالتحاق بتنظيم الإخوان الذي أفرز هؤلاء الرجال الذين أقنعوا قاضيهم بحقهم، وبأصالة ما يدعون إليه.
وبالرغم أن الشاب مصطفى مشهور حينها (1954) كان موظفاً في ( مرسى مطروح) أي كان بعيداً عن مسرحالحادث ، وعن القاهرة ، فقد اعتقلوه من مقر عمله، وساقوه إلى السجن الحربي ، سيء الذكر هو ومديره الهالك حمزة البسيوني وضباطه وجلادوه وجلاوزته، وتعرض الشاب مصطفى لأقسى أنواعالتعذيب وهو صابر محتسب، لا يسمع الجلادون منه سوى كلمةالتوحيد(لا إله إلا الله) ثم عرض على محكمة الثورة ، لتحكم عليه بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة، وقد استغرقت هذه المحاكمة المهزلة ثلاث دقائق، كما تقدم.
ثم نقل إلى سجن(ليمان طره) ليلقى و إخوانه الآلام من مدير السجن وجلاديه، ثم نقل إلى معتقل(الواحاتالخارجية) وهو عبارة عن خيام مفتوحة في الليل والنهار وفي الصيف والشتاء القارس، ومحاطة بالحراس الغلاظ، وبالأسلاك الشائكة.
ما كاد الشيخ مصطفى يخرج من السجن ، حتى بادر إلى الاتصال بالجماعة ، ليعيد التنظيم إلى سابق عهده بالحياة والحيوية والنشاط، غير عابئ بما قد يصيبه في سبيل الدعوة التي سكنت قلبه وعقله.
وعندما بويع الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله تعالى مرشداً ثالثاً للجماعة ، كان الشيخ مصطفى من أقوى أعوانه، وكان يعمل مع لفيف من الإخوان الكرام لتأسيس التنظيم وتثبيت أركانه عبر مؤسسات تصمد في وجه الأعاصير.
وقد التقيته أول مرة في شباط (1977) في مجلة الدعوة، مع الأستاذ المرشد والأستاذ الشهيد كمال السنانيري رحمه الله رحمة واسعة، وقد لاحظت حضور الأستاذ مصطفى في مناقشة الأمر الذي سافرت إلى القاهرة من أجله، وعندما شكوت الدكتور الملط – رحمه الله – دافع الشيخ مصطفى عن تصرفه، وقال لي: سامحونا إذا وجدتم منا مالا يرضيكم، فظروفنا قاسية، وأمن الأستاذ المرشد على كلامه، وقال الأستاذ السنانيري: هل ترضى أن أكون أنا العبد الفقير وسيطاً بينكم وبين فضيلة الأستاذ المرشد ؟
وبعد الانتهاء مما نحن فيه، استأذنت بالانصراف، فهب الشيخ مصطفى نحوي، واعتذر لي وهو الكبير وأنا التلميذ الصغير في هذه المدرسة الربانية ، وعانقني وقال: ادعوا لنا أيها الإخوان السوريون فأنتم مظلومون، ودعواتكم مجابة إن شاء الله تعالى.
غادر الشيخ مصطفى مشهور القاهرة إلى الكويت في أيلول (1981)، وبعد مقتل السادات، التقيته مع بعض أعضاء مكتب الإرشاد ، وسمعته يقول: (ليس لنا أي دور في مقتل السادات ، فنحن كما قال المرشد الثاني رحمه الله: دعاة لا قضاه، ونحن لم نستعمل القوة و العنف في حياتنا، وسبيلنا إلى الناس دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومع ذلك، اعتقلوا منا بضعة آلاف، ونريد رأيك في التصرف المناسب بناء على تجربتك في سورية).
قلت للأستاذ الفاضل ولمن معه من أساتذتي في مكتب الإرشاد: (اصبروا وصابروا، ولا تتورطوا في الصراع مع النظام، مهما كانت الاعتقالات والمضايقات، وسوف يعرف النظام المصري أنكم برءاء من دم السادات ، وسوف يخرج شبابكم من المعتقلات بإذن الله ويستأنفون العمل وبقوة و إخلاص إن شاء الله).
وبعد حوار ونقاش استقر الرأي على التهدئة و الابتعاد عن سائر أساليب الاستفزاز والتصعيد، وكذلك كان.
ثم سافر الأستاذ إلى ألمانيا، واستقر فيها خمس سنوات كانت عملاً دائباً في التخطيطللجماعة بروح متفائلة، وعقل متفتح ونشاط يشد به الهدوء.
وقد التقيته في مدينة فرانكفورت عام (1986)، وكان مع بعض أعضاء مكتب الإرشاد ، وشرحت لهم ما سمي حينها بالمسألة السورية، وفيما كنت أشرح لهم ما كلفت بشرحه، قاطعني أحد أعضاء مكتب الإرشاد بحدة وفاجأني فأسكتني، ولكن أخاً كريماً انبرى لذلك العضو وكان مما قاله له: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، و الأخ عبد الله يشرح بأدب إخواني، ولا يجوز لك مقاطعته، وقال بحنان: (تكلم يا أخي، قل كل ما في نفسك، ونحن مصغون لك).
قلت بحزن: لو كنت أعلم أن حضوري وحديثي يزعجان أحداً منكم ما حضرت ولا تحدثت، ولكن الأمر خطير، ونحن مقدمون على انشقاق لا سمح الله، ولذلك حضرت .
قال الشيخ مصطفى: تفضل نحن نستمع إليك.
قلت: الآن مستحيل، فقد فوجئت وذهلت من موقفرجل كنت و إخواني نقرأ كتبه، ونستفيد منه.
ثم استأذنت ونهضت، فنهض معي الأستاذ الكبير مشهور وجاءوا لاسترضائي وأن أبقى معهم في الشقة. فاعتذرت وخرجت، ثم كان لقاءاليوم التالي مع الشيخ مصطفى الذي استقبلني بهدوء وحنان وعانقني واعتذر مما حصل في اليوم السابق.
لقد بدا لي الشيخ مصطفى ذا رأي حصيف وحازم، ليستمع ويستمع ويستمع ولا يقاطع، ويتكلم بهدوء، وبلسان عفيف، يشاور ويحاور وينصت، ويجادل بالحسنى ومن الصعوبة بمكان أن يتنازل عن رأيه بسهولة.
وفي الأيام الأخيرة من حياة المرشد الأستاذ أبي النصر الذي كان يرقد على فراش المرض الشديد عرف الإخوان أن مرشدهم يرحل عن هذه الحياة الفانية، فاستبقوا الموت ، وانتخبوا الشيخ مصطفى مشهور مرشداً للجماعة ، حال وفاة المرشدأبي النصر ، وتكتموا على هذا الأمر، إلى ما بعد وفاة المرشد ودفنه في شباط فبراير 1996، عندها أعلن المستشار محمد المأمون الهضيبي نبأ انتخاب الأستاذ مشهور ليكون خير خلف لخير سلف، فتقدم الأخ الأستاذ لا شين أبو شنب وبايع المرشد الجديد، وطلب من الإخوان أن يتقدموا ويبايعوه، فتقدم عدد كبير من الإخوان وبايعوا الأستاذ مصطفى مشهور مرشداً للجماعة لمدة ست سنوات ، ثم جدد انتخابه مرة ثانية في شباط 2002 لمدة ست سنوات أخرى، حسب أنظمة الجماعة .
كان الشيخ مصطفى يحمل أعباء المرشدومكتب الإرشاد قبل أن يصبح هو المرشد ، فقد كان المرشد الفعلي أيام سلفيه الشيخ أبي النصر والشيخ عمر التلمساني، وكان يتحمل المسؤولية كاملة عن تلك الفترة، وخاصة بعد أن غادر مصر إلى الكويت فألمانيا، ثم بعد تسوية وضعه، وعودته إلى بلاده.
لقد اتسم عهده بالعقلانية المفرطة في ابتعاده عن أي صدام مع الدولة، مهما بلغت تجاوزات الحكومة والأجهزة الأمنية، وعده بعض المفكرين السياسيين والإعلاميين كالدكتور عبد الوهاب الأفندي، أفضل عهود الحركة، فلم تعد الإخوان حركة هامشية على الساحة السياسية ، ولم تدخل في مواجهةشاملة مع الدولة ، ولم تتعرض قياداتها للقتل و الإعدام والتشريد و السجن ، فقد كان دائماً يرفض الاستدراج إلى المواجهة الشاملة.
لم تشغله السياسية عن الدعوة و التربية ، كما لم تبعده الدعوة و التربية عن العمل السياسي ، فقد كان يكتب في هذه المجالات كلها، ويصول ويجول في ميادينها بحنكة تدل على تجاربه العميقة في هذه المجالات التي كان يوازن بينها، بحيث لا تغطي إحداها على الأخريات، وإن كان العملالتربوي هو المقدم عنده، لأنه أمضى سنوات مديدة مع طلبة الجامعات ، يربيهم ويغرس غراس الإيمانوالتضحية والبذل في نفوسهم، ليكونوا مؤهلين لتسلم العملالمناسب لكل منهم، وليكونوا قادةالمستقبل وحملة الراية من بعد.
ويرى الدكتور الأفندي أن الجماعة في عهده صارت المعارضة الأولى في البرلمانالمصري ، وقد حققت صموداً عجيباً، بل حققت معجزة الانتصار على محاولات الإفناء والتغييب، ولم تكتف الحركة بالمحافظة على بقائها في ظروف صعبة تمثلت في عداء نشط من قبل الأجهزة و الدولة ، ومن المناخ العالمي، بل تفوقت كذلك على كل منافسيها، بحيث أصبحت الحركةالسياسية الأولى في البلاد.
والذي يقرأ كتاباته في كتبه وفي الصحافة ، يعرف أي جراءة في الحق كانت تعتمل في نفس الرجل ، فتتفجر على سنان قلمه، فيكتب ما يكتب في نصاعة بيان، ووضح ، بلا جلجلة ولا غموض.
والذي يطالع رسالته التي بعث بها إلى الرئيس الأمريكيبوش الابن، بعيد انتخابه، يعرف أي رجل هذا الشيخ رأيته آخر مرة عام 1988 وهو يمشي على قدميه فوق أحد الكباري الضخمة في القاهرة ، وكان غاصاً بالسيارات وبشمس القاهرة المحرقة، إنه قائد ولديه الكثير من مقوماتالقيادة الرصينة الزاهدة معاً.
الحق يقال: إن الشيخ مصطفى مشهور صاحب مدرسة فكرية و سياسية و دعوة تحتاج إلى دراسة دقيقة لاستخلاص أطرها وعناصرها ومقوماتها وما فيها من دروس وعبر، وهذا ما سوف أنهض به إن شاء الله تعالى إن فسح الله في العمر ووهب الصحة والفراغ، ولكنني أدعو إخوانه وأولاده وتلاميذه الأقربين، وطلابالدراساتالعليا، أن يسعوا إلى جمع آثاره، فمقالاته منثورة في عدد من الصحف والمجلات التي قد لا تصل إليها أيدينا هنا خارج مصر .. هذه أمانة نضعها في أعناق محبيه ومحبي دعوته وأبناء جماعته.
دخلت عليه ابنته في غرفته قبيل العصر فرأته مرتمياً على الأرض في غيبوبة ما لبث أن أفاق منها، وقام ليتوضأ، رجته ابنته أن يشفق على نفسه ويصلي العصر في البيت، فأبى وخرج إلى المسجد ، وبعد صلاةالعصر أصيب بجلطة دماغية ألقته أرضاً، ليدخل في غيبوبة استمرت سبعة عشر يوماً، منذ التاسع والعشرين من تشرين الأول، وحتى وفاته في الساعة السادسة مساء الخميس التاسع من رمضان المبارك 1423هـ الرابع عشر من تشرين الثاني2002م.
صلت عليه جموع غفيرة، أمهم المستشار الشيخ محمد المأمون الهضيبي ، ثم حمل جثمانه في صندوق خشبي متواضع وضع في سيارة ميكرو باص، وسار خلفه المشيعون، وكانوا مئات الآلا ف وصل تقرير بعضهم إلى نصف مليون، وقال آخرون: كانوا مليوناً يسيرون في موكب مهيب، يبكون في صمت وحزن وخشوع.
وكان شبابالإخوان يرفعون المصاحف إلى الأعلى من حين خروج الجنازة من المسجد إلى أن ووري في مثواه الأخير، وفي مقابر (الوفاءوالأمل) التي تضم جثماني المرشدين السابقين التلمسانيوأبي النصر ، رحمهم الله رحمة واسعة، وقد استغرقت الجنازة مدة ساعتين من المسجد حتى القبر.
وفي المساء تقبل الإخوان العزاء الذي حضره عشرات الآلاف، تحدث الأستاذ مأمون الهضيبي عن مسيرة المرشد الفقيد في ميادين للعمل الدعوي طوال خمسة وستين عاماً، تحدث عن نضاله وعن فترات السجن الطويلة، وما لقي فيها من ألوان العذاب، كما تحدث عن جهوده في إعادة الجماعة إلى الحياة المصرية، وتعاونه مع الأستاذ عمر التلمساني في سبيل ذلك.
حضرت العزاء شخصيات سياسية وفكرية مرموقة ومعروفة، مصرية وعربية، وكان الحضور (الناصري) كثيفاً ولافتاً للأنظار، ونعى رئيس الحزب الناصري الأستاذ (حامد محمود)، المرشد الفقيد بقوله: (رحم الله مرشدنا) وأضاف: (يدرك الحزب الناصري أهمية حركة الإخوان المسلمين في العمل الوطني، وإذا كان الشيخ مصطفى مشهور قد فارقنا، فإن إخوانه يحملون الراية).
أصداء وفاته
نعت الصحف المصرية والأردنية والفلسطينية واللبنانية واليمنية والسودانية وسواها، وكثير من الأحزاب والهيئات الفكرية والاجتماعية، المرشد الفقيد، ورثاه العالم الجليل الشيخ حامد البيتاوي ، خطيب المسجد الأقصى ، ورئيس رابطة علماء فلسطين ، وكان مما قاله:
(ها هي مصر ، أرض الكنانة، بل الأمة الإسلامية ، فقدت علماً من أعلام المسلمين في هذه العصر، فقدت قائداً من قادةالفكروالدعوةوالسياسة.. إنه رجل حمل هموم المسلمين و رايةالدعوة الإسلامية ، منذ أكثر من ستين عاماً، وتربت على يديه، ومن خلال كتاباته في فقه الدعوة ، أجيال من الدعاة ، وهو خير من كتب في هذا الموضوع الذي تلقاه يافعاً، ومارسه شاباً، وعاشه واقعاً مع الإمام المؤسس: حسن البنا فترة من الزمان تقرب من عشر سنوات قبل أن يلقى البنا ربه شهيداً، فأفاد من ذلك كثيراً .. لقد عاش – مشهور – المسيرة الإسلامية فيما تعرضت له من ابتلاء وتمحيص صبر وثبت، وواصل السير على طريق الدعوة دون انحراف أو تبديل إلى أن لقي الله عز وجل في هذه الأيام المباركة، مرشداً لهذه الدعوة).
رحم الله فقيدنا الغالي، وأسكنه فصيح جناته، مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.